شعار قسم مدونات

عشرون عاماً وما بكم خجل

blogs الجزائر

حين يتساوى الشعب في أخذ جرعة الحزن، يصبح البكاء نشيدا لوطن يحتضر، حين تقرأ الهوان على ملامحهم، وتعرف موطن الجرح دون دليل طبي، تصبح البلادة علم ينتسب له الجميع، أخبرنا عبد الحميد مهري رحمه الله أنه زمن الرداءة وللرداءة رجالها، فلم يخطر على بال بشر واحد، أننا تخطينا زمن الرداءة بعشرية من الزمن، نحن الآن في زمن الإستغباء والإستغلال، لا نعلم فيه الشريف من الخائن، ولا نجيد فيه التمييز بين ابن الوطن والمستعمر، قلبت الموازين على رؤوسنا، وقرعت طبول الأسئلة في نفوسنا، فليخرج حكيما واحدا بيننا شارح للوضع، ابسطوا كفوفكم لله علنا نجد الإجابة في وطن يستعمل قادته علامة الإستفهام بعد كل خرجة سياسية.

الأحد الأسود، حين بكى الجميع خلف القنوات، دموع أغرقت جزائر المساحات، وغصة توقفت في حلق الجبال الشامخات، كل الدعاء كان موجها لرب السماء، فما مر به الشعب الجزائري من محن جعله يخاف الخطابات، شريط الأخبار لم يهدأ، كسيارة إسعاف يدوي صوتها الوطن، واللون الأحمر يذيل كل مؤلم يكتب، هنالك بلد جريح، نود إسعافه الآن، رائحة حريق تنبعث من أفواه الصحفيين، وسواد يغطي سماء الجزائر، بعد أن فرحنا بسلمية المظاهرات، وتفاخرنا برقي الحراك، وصفقنا مطولا للوعي الذي أصاب الشباب، من أفزع كبد الوطن؟

مترشح بالوكالة
لا للعهدة الخامسة، وبأثر رجعي لا للعهدة الثالثة والرابعة، ولا لسنة التعديل والتجديد، لا للوجوه التي سئمنا من رؤيتها بعد نشرة الثامنة، لا للمقارنات الدولية بين السويد وسوريا، وسياسة المن الوطنية بين الوئام المدني والمصالحة

دعني أبدأ بالفاجعة التي حولت فرحنا إلى حزن، تقدم مدير حملة المرشح والرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة إلى المجلس الدستوري محملا بثمان شاحنات بها استمارات التزكية، عبد الغني زعلان الذي ظهر بكل فخر أمام الكاميرات، معلنا ترشح رجل لا نعلم له مكان، رجل خرجت الجزائر بكل أطيافها تدعوه دعوة الراجين، أن ينسحب من هذا الوطن، ويغادر عبر البوابة الرئيسية للتاريخ، تترجاه أن يوقف عصابة الفساد، ويحملهم في حقائبه، ليقتسموا غنيمة العشرون سنة بعيدا عن أرضنا، فما كان رده على الشعب غير رسالة، يعدهم وعد كل عهدة دخل سباقها، أنه سيعدل الدستور، ويجري انتخابات مسبقة، مقسما بعدم الترشح لها.

ما طلبه الشعب الجزائري حق يكفله القانون وتجيزه كل التشريعات، طلبوا رئيسا يكلمهم ويخطب بينهم، لم يطلبوا نجما من السماء، ولا كوكبا من المجرة، قالوا بصريح العبارة لا للعهدة الخامسة، كان في وسعكم، بل مجبرين ومن اختصاصات مناصبكم أن تقولوا سمعنا وأطعنا، فللشعوب كلمتها الأخيرة في نهاية المطاف، والتاريخ شاهد على إرادة الشعوب حين صنعت المعجزات، تعنتهم وقلتم لا، وكأن الكرسي نصيب تركة تركها لكم الأولون، أو منقولا تم بيعه وشراءه في مزادات الكواليس، شعب خرج يمد يده بالسلام فلماذا كمشتم عقولكم في فهم رسالته، شباب يرفض التخريب فلماذا تواصلون مسلسل الإستفزازات؟

مرشح بتشابه الأسماء

تصدرنا موسوعة المهازل، فمهزلة واحدة لم تعد تكفينا، وكف واحد للوجه لم يعد يؤلمنا، في وطن كل ما فيه يؤلم، حتى ذلك المرشح الذي ظل يقفز، ويسقط، يضرب، ويعنف، سؤال يتبادر إلى ذهني كلما رأيت إعلانات التهريج التي ينشرها، من يحرك عقل رشيد نكاز، ومن يقف خلف الستار؟، ليظهر لنا ابن عمه في المجلس الدستوري، نعم إنها جزائر المعجزات، فالرجل الذي أقلق هدوئنا هو مجرد رئيس لحملة مرشح آخر، وجد نفسه في واجهة البركان، يردد كلمات متقطعة، ليخرج بعدها نكاز الحقيقي ويخبرنا بخطة فيلمه الشهير، أي كابوس نعيشه خلال هذه الأيام!

مرشح ينسحب بإتصال هاتفي

ظهر السعيد بوحجة رئيسا البرلمان المعزول سابقا، والمشارك في تزكية عبد العزيز بوتفليقة بالقاعة البيضاوية، وهو يلج المجلس الدستوري قصد تقديم ملف ترشحه والإستمارات التي تعدت النصاب القانوني، في الندوة الصحفية أبلغوه بالتراجع عن قراره بمكالمة هاتفية، ليعلن بعدها انسحابه من السباق الإنتخابي، الرجل الذي شارك في الحرب التحريرية، وواجه فرنسا، عجز اليوم أن يحتفظ بسيرته الذاتية نظيفة من كل مدنس، فختمها بفضيحة يدرسها الأطفال في كتب التاريخ.

المسرحيات التي تعرض خلال هذه الأيام تدعو إلى إعلان حالة الحداد، والبكاء على وطن لم نصنه كالرجال، فسبطنا لمصائبه مدامعنا ضيوفا في حضرة الرثاء، منصب الرئيس الذي ظل عزيزا لقرون، أصبح اليوم مطمعا لكل باحث عن الشهرة والمال، أهنتم المنصب عبر التاريخ، فأي عذر سنخيطه لجيل سيسأل من خدر عقولكم حتى قبلتم بالهوان؟

لا للعهدة الخامسة، وبأثر رجعي لا للعهدة الثالثة والرابعة، ولا لسنة التعديل والتجديد، لا للوجوه التي سئمنا من رؤيتها بعد نشرة الثامنة، لا للمقارنات الدولية بين السويد وسوريا، وسياسة المن الوطنية بين الوئام المدني والمصالحة، الأرض أرضنا، والخير خيرنا، وغيث قراراتكم يسقط بالقطرة علينا بعد كل شتاء احتجاج، الحكمة نعمة فما بال النعم لا تزوركم، والخجل خير فما بال الخيرات لا تصيبكم، شكرا لكم، وعظم الله أجر الوطن فيكم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.