شعار قسم مدونات

الشّعب الجزائري والسّياسة.. من سنوات القطيعة إلى جمعة الصّحوة!

Students take part in a protest to denounce an offer by President Abdelaziz Bouteflika to run in elections next month but not to serve a full term if re-elected, in Algiers, Algeria March 5, 2019. REUTERS/Zohra Bensemra

بعد التّضحيات الجسيمة التي قدّمها الشعب الجزائري في سبيل نيل حريّته واستقلاله، اتّجهت تطلّعات أبنائه إلى تشييد وطن يضمن لهم الحرّية والرّفاهية والعيش الكريم، هذه التّطلعات اصطدمت بجدار صادَر حقّ الأمّة الجزائرية في اختيار من يمثّلها.

بداية التّجربة كانت سنة 1991 مع أوّل انتخابات في تاريخ الجزائر بعد التعدّديّة الحزبية التي دعا إليها الرّئيس الرّاحل الشّاذلي بن جديد بعد موجة من الاحتجاجات الشّعبية ضدّ سياسات الدّولة الاقتصادية. اكتسحت الجبهة الإسلامية للإنقاذ النّتائج وحقّقت فوزا مؤكّدا بعد منافسة مع الحزب الحاكم حزب جبهة التّحرير الوطني الذي قاد البلاد منذ الاستقلال باسم الشّرعية الثّوريّة، كما عرفت هذه الانتخابات اهتماما شعبيا واسعا باعتبارها أعقبت مرحلة من الفوضى وسوء التّسيير والتّخبّط السياسي.

لكن فرحة الشّعب الجزائري بأوّل تجربة ديمقراطية لم تدُم طويلا ففوز الحزب الإسلامي قُوبل برفض كبار قيادات الجيش في الجزائر، حيث تدخّل الجيش لإلغاء هذه الانتخابات بعد الجولة الأولى وتمّ حظر حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ بعد سيطرة الجيش على جميع مفاصل البلاد.

  

لا يمكن توقّع ما سيحدث خلال الأيّام والأسابيع القادمة لكن الأمر المؤكّد أنّ الجزائر اليوم ليست نفسها الجزائر قبل يوم الجمعة 22 فبراير، فالشعب الآن تسلّم المشعل وكلّه عزم وإصرار

بعد ذلك دخلت الجزائر في دوّامة من الفوضى أو ما يعرف بالعشريّة السوداء التي خلّفت أكثر من نصف مليون ضحيّة بين قتيل وجريح ومنكوب، هذه الأحداث كان لها تأثير واضح يمتدّ إلى زمننا هذا كما كان لها انعكاسات سلبية على الصّعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي وأحدثت شرخا عميقا بين الشعب والمنظومة الحاكمة، فرغم ما أعقب هذه الأحداث من عدّة اجراءات لاستعادة ثقة الشعب إلا أنّ أغلبها باءت بالفشل.

الشّعب الجزائري أدرك منذ سنة 1991 أنه تمّت مصادرة حقه في اختيار من يمثّله، فالشّعب اليوم بكافّة أطيافه يدرك أن صوته الانتخابي لا يسمن ولا يغني من الجوع، فالنّتائج قد أعدّت سلفا بما يتناسب ومصالح المنظومة الحاكمة وأجنداتِها في الدّاخل والخارج، وهذا لا يتعلّق بالانتخابات الرّئاسية فقط، بل يتعدّاها إلى غيرها من انتخابات البرلمان والمجلس الشّعبي البلدي.

يفوق عدد الأحزاب السّياسيّة في الجزائر 60 حزبا لكن مع غياب برامج واضحة ودراسات استشرافية تحوّلت هذه الأحزاب إلى مجرّد هياكل بدون أرواح، فمعظم هذه الأحزاب تُفعّل قواعدها عند اقتراب الاستحقاقات الانتخابية وتخمد بعد انتهاء الاقتراع ممّا أفقدها وزنها وتأثيرها لدى المواطن الجزائري. 
كل هذه التّراكمات جعلت من السّياسة في السّنوات الأخيرة آخر اهتمامات المجتمع الجزائري، فالسّياسة خلال السنوات الماضية ارتبطت في أذهان الجزائريين بالتّزوير و الفساد و الرداءة وهنا يكمن الخطر، فاستِقالة الشّعب سياسيّا سمحت لبعض الأطراف بالسّيطرة على دواليب الحكم في البلاد من خلال تأسيس نظام موازي يمثّل الدّولة العميقة التي تشكّلت مع مرور الوقت بخليط من رجال الأعمال وبعض الشّخصيات النّافذة المقرّبة من الرّئيس الحالي.

  

undefined

  

الجزائر مقبلة بعد أسابيع قليلة على انتخابات رئاسية مهمّة ومفصليّة في تاريخ البلاد في ظلّ وضع اقتصادي غير مستقر وبنية اجتماعية هشّة. عدد من سحب استمارات الترشّح لهذه الانتخابات فاق 160 مترشحا من أبرزهم الرّئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة الذي لم يخاطب شعبه منذ 6 سنوات بسبب وضعه الصّحّي مخالفا بذلك المادة 102 من الدّستور المعدّل عام 2016:" إذا استحال على رئيس الجمهوريّة أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدّستوريّ وجوبا، وبعد أن يتثبّت من حقيقة هذا المانع بكلّ الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التّصريح بثبوت المانع". 

هذا الوضع الغير مستقر دفع بالشّعب الجزائري للخروج إلى الشّارع يوم الجمعة 22 فبراير الماضي في مختلف ربوع الوطن من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه معلنا بذلك رفضه القاطع لاستمرار هذا الوضع المتعفّن الذي نتج عنه تداعيات خطيرة على مختلف الأصعدة، هذا الخروج السّلمي والحضاري الذي عبّر فيه الشعب الجزائري عن رفضه القاطع للعهدة الخامسة أبان عن وعي شعبي بالمخاطر التي تهدّد الوطن وتسير به إلى الهاوية، كما أنّ هذا التّحرّك الشّعبي الواسع الذي خالف كل التوقّعات وكسر جُمودا دام سنوات رفع سقف الطّموحات عاليا ليس فقط برفض العهدة الخامسة بل بمطالبته برحيل هذا النظام مع مختلف رموزه.

لا يمكن توقّع ما سيحدث خلال الأيّام والأسابيع القادمة لكن الأمر المؤكّد أنّ الجزائر اليوم ليست نفسها الجزائر قبل يوم الجمعة 22 فبراير، فالشعب الآن تسلّم المشعل وكلّه عزم وإصرار على مواصلة الطريق إلى غاية تحقيق المطالب والوصول بالوطن إلى بر الأمان فهذا الوطن يمرض لكنه لن يموت.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.