شعار قسم مدونات

الانتخابات القادمة.. تحدٍ جديد للمعارضة التركية

BLOGS انتخابات

تعيش الأحزاب التركية منذ نهاية تسعينيات القرن العشرين حالة من التراجع والاضطراب، ولم يتمكن أي منها من إحراز فوز يمكنه من تشكيل الحكومة بمفرده، مما أدخل البلاد في دوامة الحكومات الائتلافية غير المستقرة نظرًا لبقائها رهينةً للتجاذبات الحزبية واستمرت هذه الحالة السياسية في البلاد حتى عام 2002 عندما أخفقت جميع هذه الأحزاب في مواجهة حزب العدالة والتنمية الناشئ في ذلك الحين الذي اخترق هذه الحالة المتردية لبقية الاحزاب مُثَّبتًا أقدامه في الساحة السياسية بفوزه بأغلبية مقاعد البرلمان ليتمكن من تجاوز مرحلة الحكومات الانتقالية منذ ذلك الحين ويشكل الحكومات بمفرده مرات متوالية إلى أن أقر النظام الرئاسي الذي ألغى منصب رئيس الوزراء وزاد من صلاحيات رئيس الجمهورية مما عمق أزمة المعارضة وفاقهم إذ لم تسطيع هذه الاحزاب مجتمعة منافسة حزب العدالة والتنمية الحاكم في أول انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة بعد إقرار النظام الرئاسي والتي أجريت في 24 يونيو 2018.

 
ولم يعد أمام الأحزاب التقليدية التركية التي احتفظت بموقع المعارضة إلا إعادة صياغة برامجها وترتيب أمورها الداخلية، كي تتمكن من العودة للمنافسة بقوة في الساحة السياسية، إلا أن الإجراءات التي اتخذتها تلك الأحزاب على أرض الواقع لم ترقى إلى مستوى الأزمة السياسية التي تعيشها منذ مطلع الألفية الجديدة، ولم تجري هذه الاحزاب أي مراجعة حقيقية لخططها وبرامجها وهياكلها التنظيميَّة.

 

شعارات جوفاء واستمرار غياب البرامج
من الملاحظ على تحالف الأمة غياب أجندة واضحة أو برنامج محدد وربما يعود هذا الامر إلى حالة الإفلاس التي وصلت إليها المعارضة التركية

شهدت تركيا خلال الأعوام الثلاثة الماضية أحداث سياسية هامة أبرزها الاستفتاء على التعديلات الدستورية الذي أجري يوم 16 أبريل 2017 حيث صوَّت الناخبون على مجموعة من 18 تعديلًا مقترحًا على الدستور قدمها حزب العدالة والتنمية الحاكم ووافق عليها حزب الحركة القومية وأقر الناخبون هذه التعديلات مما شكل انتكاسة جديدة لأحزاب المعارضة التي فشلت في إقناع الناخبين برفض هذه التعديلات وتعززت انتكاسة المعارضة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة التي فاجأ بها الحزب الحاكم أحزاب المعارضة وقد أجريت هذه الانتخابات في شهر يونيو 2018 واخفق فيها مرشح المعارضة. وبتتبع ما طرحته المعارضة خلال هذين الحدثين الهامين نجد أنه لا يتعدى مناكفة الحزب الحاكم وانتقاد أداءه ولم يعكس أي برنامج بديل عما يقدمه ويتبناه حزب العدالة والتنمية.

 

الانتخابات المحلية القادمة والتحدي الصعب للمعارضة

تترقب تركيا إجراء الانتخابات البلدية نهاية شهر آذار الجاري ومن المنتظر مشاركة احزاب العدالة التنمية والحركة القومية، والشعب الجمهوري، والحزب الجيد، وحزب الوطن، وحزب تركيا المستقلة، وحزب الاتحاد الكبير، والحزب الديموقراطي، وحزب الشعوب الديموقراطية الكردي، والحزب الديموقراطي اليساري، وحزب الدعوة الحرة، وحزب السعادة، وحزب تركيا الشيوعية في هذه الانتخابات.

 
ومن غير المتوقع أن يحدث تغير في التحالفات في هذه الانتخابات حيث أعلن حزب الشعب الجمهوري المعارض التحالف مع الحزب الجيد بقيادة ميرال أكشنار وقد عُرِف هذا التحالف باسم تحالف الأمة، وأعلن حزب العدالة والتنمية التحالف مع حزب الحركة القومية وعُرِف هذا التحالف باسم تحالف الشعب مما يدل على استمرارية التحالفات على حالها التي كانت عليه في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الماضية. ومن الملاحظ على تحالف الأمة غياب أجندة واضحة أو برنامج محدد وربما يعود هذا الامر إلى حالة الإفلاس التي وصلت إليها المعارضة التركية وربما يرتبط بسبب وجود هذا التحالف وهو السعي لإزاحة حزب العدالة والتنمية من السلطة ولو بشكل تدريجي وتفكيك قوة هذا الحزب وخلخلة بناه وقواعده وتحالفاته وهذا الامر لا يبدو قريب المنال في ظل الظروف الحالية.

 
مما يجعل الانتخابات القادمة تحدٍ جديد للمعارضة التركية وعليها الاستعداد لنتائجها وتداعيتها وعلى أي حال فإن المعارضة السياسية هي ركن أساسي في بنية النظام السياسي الديمقراطي وجزء أساسي منه وهذا يحتم على أي معارضه وطنية مراقبة اداء الحزب الحاكم وضبط إيقاع سياسته داخليًا وخارجيًا ووضع برامج بديلة لتلك التي يتبناها الحزب الحاكم ولا تحقق أهدافها وأن تبقى هذه المعارضة في إطار الجماعة الوطنية التي تضمن الاستقرار السياسي في البلاد وتحمي وحدتها واستقلالها وأن لا تنساق وراء العواطف الشخصية والمناكفة السياسية بأن تحول مشروعها من الاسهام في نهضة البلاد وخدمتها إلى السعي لإسقاط الحزب الحاكم ونسف ما بناه وحققه طيلة عقود، وخدمة مصالح أجنبية تريد إعادة عقارب الساعة التركية إلى الوراء نحو التخلف والتبعية وهذا ما لا يرضاه الشعب التركي وقواه الحية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.