شعار قسم مدونات

"البيانات الضخمة".. كنز المعلومات الذي نتجاهله!

blogs البيانات الضخمة

رغم انتشار مفهوم البيانات الكبيرة بشكل واسع حول العالم وتسابق المجالات العلمية لتطبيق هذا المفهوم، واعتبار أن العالم في أي مجال علمي قد انقسم إلى قسمين، العهد التقليدي وعهد البيانات الكبيرة، لما جاء به هذا المفهوم من تنوير ورحابة أفق وفرص يمكن استثمارها ونظرة جديدة لعالم الأعمال، ما دفع الحكومة البريطانية في عام 2012 إلى الإشارة لتقنية البيانات الكبيرة على أنها واحدة من ثمان تقنيات مستقبلية عظيمة، فلم تعد مهمة المدراء التنفيذيين مقتصرة على الإجابة على الأسئلة، بل توليد الأفكار التي ترتبط تمام الارتباط بالعملاء ورغباتهم.

  

كان المسوقين بالسابق يبحثون عن فجوة تسويقية مرتبطة برغبة العملاء ومن ثم ابتكار الوسائل لملئ تلك الفجوة بأفضل الطرق وأكثرها ربحية. ومن ثم انتقل المفهوم لابتكار الحاجة لدى العملاء. وليس سد الحاجة بالابتكار. اعتمد مفهوم الابتكار، على البيانات والمعرفة بشكل أساسي، هذه البيانات من الممكن أن تولد لديك فكرة مبتكرة ولكنها لا تضمن إقبال العملاء على تلك الابتكارات. فكم من ابتكار ثوري لم يلقى الإقبال وكم من ابتكار خلق بعد رفضه من قبل العديد من لجان التطوير، ولكنه لاقى رواجا لدى العملاء.

  

لا يؤمن بعض المثقفين والأكاديميين وربما المدراء التنفيذيين بضرورة تطبيق هذا المفهوم، أما عن عدم وعي كاف بهذا المفهوم أو لتعارضه مع معارفه

كانت هذه الابتكارات مبنية وبشكل ضمني على المفهوم الجمعي، أي الابتكار وتلبية الحاجة وفقا لما نعتقد أن الغالبية لديها الرغبة باستخدامه أو شراءه، فان لم يكن عدد المجتمع الراغب والقادر على اقتناء هذه المنتجات كافياً فلا يمكن الموافقة على انتاجه أو تطويره، قام مفهوم البيانات الكبيرة على كسر هذه العقلية الجمعية في الإنتاج والتسويق وذلك عن طريق التخصيص الفردي، ليس فقط على مستوى الفرد بل أيضاً مع الربط بالزمن، فمهما اختلفت رغبات العميل مع مرور الزمن وبوتيرة متزايدة نستطيع باستخدام مهارات ووسائل وتقنيات البيانات الكبيرة على تحديد تلك الاحتياجات، وتتبع تغيرها السريع وتلبيتها بالوقت والجودة المطلوبة من قبل كل شخص على وجه الأرض.

 

ليس ذلك وحسب، فقد تعدى ذلك إلى معرفة احتياجات العميل التي لم يتم التصريح بها بشكل مباشر بعد، فعلى سبيل المثال إن كنت تتابع قناة فريق كرة القدم المفضل لديك من خلال جهاز تلفاز ذكي ومشارك في قناة YouTube الخاصة بالفريق وتكتب منشورات على Facebook احتفالا بفوزهم أو تحليلا لأسباب الخسارة، فستصبح الإعلانات على صفحة Facebook الخاصة بك وعلى معظم المواقع التي تزورها تشير لمنتجات ذات علامة تجارية مرتبطة بالنادي الخاص بك أو تتلقى بريد إلكتروني حول أخبار النادي بانتظام وأبعد من ذلك ففي حال زيارك للبلد التي يقع بها هذا النادي فسيتوقع Google أنك ترغب بزيارة الأماكن المرتبطة بالنادي ويقوم بإرشادك بمعلومات وأماكن ومواقع مرتبطة بالنادي وكيفية الوصول لها والأحداث الموجودة في كل مكان.

 

كل ما سبق ذكره مرتبط بالسلع والخدمات ولكن ما يمكن ان يكون صادماً هو ما قامت به شركة Facebook، ففي مؤتمر مطوري F8، أعلنت شركة Facebook عن دخولها إلى خدمة المواعدة عبر الإنترنت، حيث أنها الأقدر على إيجاد متطلباتك ليس فقط السلع والخدمات بل أيضا التوافق العاطفي والفكري. نعم، يوجد العديد من التساؤلات حول الأمان والخصوصية المرتبط بهذه التقنية، ولكن من الممكن أن يتم تجاوز تلك التحديات من خلال تقوية التشريعات المرتبطة بها والمراقبة المستمرة على المنظمات التي تعتمد هذه التقنية. وبمقارنة المنافع والأضرار لا يمكننا سوى أن نلتحق بهذا الركب لكيلا نترك بعيدا مرة أخرى.

 

لا يؤمن بعض المثقفين والأكاديميين وربما المدراء التنفيذيين بضرورة تطبيق هذا المفهوم، أما عن عدم وعي كاف بهذا المفهوم أو لتعارضه مع معارفه، حيث أن مرحلة تطوير معارفه الذاتية لمواكبة هذا التقدم قد أصبح على مستوى فاق قدراته الحالية، ويرى البعض أن خصوصية العملاء وعدم ارتباط الإنسان بالتكنولوجيا بشكل كبير لكيلا يفقد جزء من تمايزه على الرجل الآلي يستحق رفضه لهذه التقنية.

 

يحق لكل المشككين ألا يتعاملوا بشكل مباشر مع هذه التقنيات والابتعاد عنها قدر ما أرادوا ولكنهم لن يستطيعوا إيقاف عجلة تقدمها، فتاريخيا لم تنجح أي ثورة في وجه التقدم التقني المدعوم عالمياً، ربما استطاعت تأخير ازدهاره لفترة أو تعديلها لتفادي المضار الناتجة عنها والتي هي منبع عدم التبني لدى المجتمع والمعارضين ولكن بالمحصلة لم يجني المعارضين سوى لعنة كل من عانا جراء ذلك التأخير، فليس من المنطق أن ننظر للأمور من بابها المعتم فقط، فلكل أمر وجهه الايجابي والسلبي، ومن الحكمة أن نستغل جانبها الإيجابي، ونحاول القضاء على النقاط السلبية مجتمعياً أو تقنياً.

 

أما من ارتبطت معارضتهم لتلك المفاهيم بقصورهم الشخصي فقد عانينا في منتصف التسعينيات مغبة عدم قدرة مواكبة رجال الدين للتطور ما دفهم لتكفير معظم تلك الوسائل في حينه، ولا أعتقد أننا مستعدون لمثل تلك القفزة للوراء مرة اخرى، فلا تكبلونا بضيق أفقكم وصغر أدمغتكم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.