شعار قسم مدونات

في حضن إسرائيل.. كيف عبرت قرارات ترامب عن مهانة الواقع العربي؟

blogs ترامب

بعد توقيع ترامب على القرار المشؤوم بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس في 6 ديسمبر/كانون الأول 2017 والذي وابل من بيانات التنديد والرفض والاستنكار! ها هو يوقع قرارا جديدا يعترف فيه بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل، وسيكون التعامل معه كسابقه، تصدير سيل منهمر من بيانات الرفض والتنديد الجوفاء لحفظ ماء وجه الأنظمة العربية المهترئة أمام السياسات الأمريكية في المنطقة التي تنتهك القوانين الدولية وتعبث بالتاريخ.

وخلافًا لما جاء في تصريحات التنديد بالقرار الأمريكي من تأكيد على أن هذا القرار يأتي في سياق قرارات ترامب التي يتخذها دون الرجوع إلى أحدٍ من المختصين في إدارته التي قد يتراجع عنها لاحقًا، فإن معطياتٍ كثيرة ومساراتٍ إقليمية متتابعة تؤكد أن قرار الرئيس الأمريكي قد أعد له على مهل وسبقه إجراءات عدة قبل الإعلان عنه ولم يكن مفاجئًا، وهو ما يؤكد أن الإدارة الأمريكية تعرف ماذا تريد، وتتوقع رد الفعل على سياساتها، وتدرك الواقع العربي جيداً ومن ثم تتخذ قراراتها بكل ثقة واقتدار.

قرار ترامب الأخير يمثل انتصارا للمعسكر اليميني المتطرف في إدارته الذي تقوم حساباته على أن العرب سوف يستنكرون وينددون فترةً، ولكنهم لن يلبثوا أن يقبلوا بعد فترة بسياسة الأمر الواقع

أما الدلائل على أن القرار أعد له ولم يكن مفاجئاً فمن ذلك حزمة من القرارات والبيانات والزيارات المتلاحقة التي تتعلق بالجولان و"إسرائيل" وعدد من دول المنطقة للإعداد لقبول هذا القرار المشؤوم، ومن هذه الدلائل ما يلي:

 
أولا: سبق هذا القرار جملة من الخطوات المتلاحقة كلها تؤشر بإعادة رسم المنطقة بما يخدم مصالح "إسرائيل" الاستراتيجية كإلغاء الاتفاق النووي مع إيران وفرض عقوبات اقتصادية جديدة عليها، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لـ"إسرائيل"، تسارع التحضيرات للإعلان عن "صفقة القرن" لذا فإن هذا القرار لم يصدر إلا بالتزامن مع زيارة مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي إلى القدس.

ثانيا: إعلان إسرائيل قبل يومين من توقيع القرار بزيارة كل من روبرت فريدمان سفير واشنطن لدى "إسرائيل" وليندساي جراهام رئيس مجلس الشيوخ الأمريكي إلى الجولان، تبنى خلالها جراهام الخطاب الإسرائيلي بخصوص الجولان كما لو كان مسؤولًا إسرائيليًا، فأكد أنه سيعمل جاهدًا على إقناع الرئيس الأمريكي بأهمية الاعتراف بالجولان جزءًا من "إسرائيل" قائلًا إنه لا يسعه تخيل أن تُفرط "إسرائيل" في الجولان الآن أو في أي وقتٍ في ظل التهديدات الحاليّة.

ثالثا: منذ أقل من عشرة أيام، خرج جيش الاحتلال الإسرائيلي ببيان عسكري يتحدث عن إجهاض وحداته الأمنية نواة استخبارية مبكرة تابعة لحزب الله، يرأسها شخص يدعى علي موسى عباس دقدوق، خططت لفتح جبهة الجولان استخباريًا وعسكريًا منذ صيف عام 2018.

رابعا: إعلان ترامب في نفس التوقيت، عبر كلمة ألقاها في البيت الأبيض، تراجعه عن خطوته التي أخذها بسحب القوات الأمريكية من سوريا، مؤكدًا بقاء 400 عسكري من قواته في سوريا، منهم 200 لتأمين الحدود الإسرائيلية السورية حسب قوله، كما أعلنت الإدارة الأمريكية، بالتزامن مع ذلك، تشديد حصارها المالي المفروض على طهران بفرض عقوبات جديدة على 31 شخصًا وكيانًا تابعين للحرس الثوري الإيراني.

خامسا: سبق هذا القرار تغير جذري في خطاب الخارجية الأمريكية وسلوكها بخصوص الجولان قبل قرار ترامب، حيث جاء تقريرها السنوي عن حقوق الإنسان "تقرير حقوق الإنسان.. الأوضاع في دول العالم" خاليًا من تخصيص مفردة الجولان بمفردة "المحتل" بخلاف كل التقارير السابقة، كما صوتت ضد عبارة "الجولان السوري المحتل" في تصويت اللجنة المعنية بإنهاء الاستعمار بالدورة الـ73 للجمعية العامة للأمم المتحدة.

سادسا: القرارات الأمريكية المتلاحقة التي كان آخرها الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان بالمخالفة للإجماع الدولي ومواقف أمريكا نفسها من هذا الملف وغيره من ملفات أو قضايا الشرق الأوسط، تمثل في النهاية ذروة الدعم الأمريكي لإسرائيل وانعكاس حقيقي لتردى الواقع العربي والتفريط النظام العربي في ثوابته وحقوقه وأراضيه وقضاياه المركزية.

سابعا: قرار ترامب الأخير يمثل انتصارا للمعسكر اليميني المتطرف في إدارته الذي تقوم حساباته على أن العرب سوف يستنكرون وينددون فترةً، ولكنهم لن يلبثوا أن يقبلوا بعد فترة بسياسة الأمر الواقع، كما فعلوا كل مرة وهو ما يعني أن الرهان سيكون عمليًا على موقف الشعوب العربية وليس الأنظمة ومدى قدرتها على رفض السياسات الأمريكية في المنطقة.

ثامنا: من الملاحظ أن الواقع العربي كان ولا يزال ضعيفا بما يطمئن الإدارة الأمريكية بالإعلان عن هذا القرار بكل ثقة حيث جاءت كُل البيانات الدولية التالية على المستوى الإقليمي والدولي ردفًا لبيان الخارجية السورية، ولم تختلف في المضمون، إلا أنها اختلفت في الشكل اختلافًا يعكس مدى الهامش المتاح لكل دولة أن تلعبه ليبدو وأنه مواجهة دبلوماسية ضد أمريكا و"إسرائيل".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.