شعار قسم مدونات

حين طرد الأسد ياسر عرفات من طرابلس

blogs عرفات

يبدو أن معاناة الثورة الفلسطينية لم تنتهي بخروجها من لبنان، وتشتت مقاتليها في عدد من الدول العربية، بعد الغزو الإسرائيلي للبنان في الأول من حزيران عام 1982، حيث سعت الدول العربية المستضيفة إلى ليَ ذراع الثورة الفلسطينية، ومصادرة قرارها السياسي والعسكري، جعل الثورة الفلسطينية ورقة مساومة، وهذا ما رفضته قيادة الثورة الفلسطينية ممثلة بياسر عرفات، مما أدخلها في أتون صراع مباشر مع الأنظمة العربية، ومنها النظام السوري بقيادة حافظ الأسد.

لم يكن غريباً عدم وجود الأسد بين الزعماء العرب أثناء استقبالهم لياسر عرفات في مطار فاس قبيل القمة العربية، فقد وصلت العلاقة بين الرجلين إلى طريق مسدود، حينما اتهم ياسر عرفات الأسد علناً بالتخاذل عن دعم الثورة الفلسطينية أثناء حصار بيروت، وعليه تحاشى الأسد لقاء ياسر عرفات بقمة فاس في 6 أيلول عام 1982.

قامت القوات السورية مدعومة بالقوات الفلسطينية بمهاجمة مخيم نهر البرد، وبعد معارك عنيفة تمكنت قوات السورية من طرد القوات المحسوبة على ياسر عرفات من المخيم

حينما غادر الأسد قمة فاس بصحبة عدد من قيادات الثورة الفلسطينية المعترضين على نهج ياسر عرفات، وضع صوب عينيه وقتها السيطرة على القرار السياسي والعسكري للثورة الفلسطينية، فبدأ بالعمل على شق الصف الفلسطيني، مستغل غضب عدد لا بأس به من قيادات الثورة الفلسطينية منهم؛ العقيد أبو موسى وأبو خالد العملة وغيرهم من تفرد ياسر عرفات بالقرار الفلسطيني، إضافة لتوجهاته لحل السلمي للقضية الفلسطينية.

وقد سعت هذه المجموعة بدعم شخصي من الأسد بعمل لمصادرة القرار السياسي والعسكري للثورة الفلسطينية من ياسر عرفات، وعليه قامت هذه المجموعة بسيطرة على عدد من الكتائب والقوات الفلسطينية المتواجدة في شمال لبنان، فجاء رد ياسر عرفات بفصل وإبعاد عدد من تلك القيادة، مما زاد الطين بلة رفض هذه المجموعة لقرارات ياسر عرفات واللجنة المركزية للحركة فتح، وبدعم من الأسد وقواته المتواجد في شمال لبنان، تمكنوا من السيطرة على عدد من الكتائب الفلسطينية، مما أدى لانقسام الثورة الفلسطينية ما بين مؤيد لياسر عرفات ومعارض له.

ومع تطور الأزمة سعى عدد من قيادات الثورة الفلسطينية للملمة الأحداث قبل خروجها عن السيطرة، وفي لقاء جمع كلاً من خليل الوزير (أبو جهاد) وعبد الحليم خدام وزير الخارجية السوري والمسؤول عن الملف الفلسطيني واللبناني، بهدف وصول إلى اتفاق يرضي الطرف المتصارعة، صرح عبد الحليم خدام لخليل الوزير (أبو جهاد) قائلاً: "إذا كنتم ترغبون في حل مشاكلكم الداخلية، فيجب أن تتقيدوا بسياساتنا، تصادقون أصدقاءنا، وتعادون أعداءنا".

وعلى أثر خروج الأزمة عن السيطرة، وعدم توصل لاتفاق ينهي الأحداث الجارية، خشية ياسر عرفات من فقدان السيطرة على قواته في لبنان، لذلك عاد من جديد إلى لبنان متنكر بزي رجل دين جزائري عن طريق ميناء طرابلس، وقد اعتبر الأسد عودة ياسر عرفات مرة أخرى للبنان بمثابة تحدي شخصي له، وعلى أثرها حشد الأسد لوائين من القوات الخاصة، إضافة إلى ما يقارب 5000 من القوات الفلسطينية المؤيدة له، ووضعها جميعاً بإمرة غرفة عمليات مشتركة ترأسها قائد القوات السورية في شمال لبنان وقتها سليمان العيسى.

وقد قامت القوات السورية مدعومة بالقوات الفلسطينية بمهاجمة مخيم نهر البرد، وبعد معارك عنيفة تمكنت قوات السورية من طرد القوات المحسوبة على ياسر عرفات من المخيم في 6-16 تشرين الثاني عام 1983، مما دفع قوات ياسر عرفات للانسحاب والتجمع في مدينة طرابلس والاعداد للمعركة القادمة.

وفي 15 تشرين الثاني عام 1983 قامت القوات السورية بتطويق مدينة طرابلس وقصفها بعنف، مما أدى إلى نزوح أعداد كبير من سكان طرابلس، إضافة لقطع التيار الكهربائي عن المدينة، وتدمير 3 سفن في ميناءها جراء القصف السوري براً وبحراً وجواً، ومع اشتداد المعارك في طرابلس دفع ياسر عرفات بكل قواته إلى المعركة، وأشرف عليها بشكل مباشر.

وبسبب إصرار الأسد على طرد ياسر عرفات وقواته من طرابلس، إضافة لاشتداد القصف وتخاذل الأطراف الفلسطينية والعربية والدولية عن تقديم الدعم اللازم لدعم صموده، وافق ياسر عرفات في النهاية على الخروج من طرابلس، بعد الحصول على ضمانات عربية وأميركية بعدم تعرض له أثناء خروج من طرابلس. وعليه ففي 17 كانون الأول غادر ياسر عرفات طرابلس، برفقة 4700 مقاتل وعشرات الجرحى على متن سفينة يونانية، وبحماية البحرية الفرنسية نحو اليمن والسودان والجزائر، وقد عرف هذا الخروج بالخروج الثاني.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.