شعار قسم مدونات

الصومال على صفيح ساخن

blogs - الصومال

منذ انهيار الحكومة الصومالية سنة ١٩٩٠ ودخول البلاد في أتون الحرب الأهلية والأزمات والتي تقترب من نهاية عقدها الثالث لم يعد المجتمع الدولي يعير هذا البلد اهتماما حقيقيا يذكر إلا من بعض الاستثناءات عند حدوث موجات المجاعة والتي تستفيد منها منظمات العمل الإنساني أكثر مما يستفيد الشعب الصومال منها حيث يذهب الجزء الأكبر من المعونات كمصاريف إدارية لتلك المنظمات فيما يأتي الفساد المالي على أكثر الجزء المتبقي منه فلا يصل إلى الشعب إلا النزر اليسير من تلك المساعدات.

 

لكن هذا المشهد بدأ يتغير مع تصاعد الحضور التركي في المشهد الصومالي وقد توج بالزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العاصمة الصومالية مقديشو قبل بضع سنوات كما تأثر الوضع السياسي بما شهدته الدول العربية من موجات الربيع العربي لا سيما في الجارة اليمن والتي تطورت فيها الأحداث نحو التدخل العسكري من قبل تحالف عربي وإسلامي تقوده السعودية والإمارات، فقد استجلبت هذه الأحداث بمجملها اهتمام المجتمع الدولي للمنطقة وخاصة الصومال وذلك من منطلق حفظ المصالح الأمنية في المنطقة وتأمين خطوط الملاحة والتجارة العالمية في المنطقة.

 

وقد أدى هذا الأمر إلى تسليط الضوء أكثر على المنطقة والصومال بشكل أخص وهو ما أدى إلى وقوع المنطقة تحت طائلة التدخلات السياسية والتأثير الخارجي للقوى الإقليمية والدولية على المشهد السياسي المحلي وهذا بدوره أدى إلى نشوء صراعات مختلفة في المنطقة ولعل أوضح مثال هو التنافس الإماراتي السعودي والقطري والتركي في المنطقة وتزداد حدة التنافس بين تلك الدول كلما اشتدت حدة التوترات والتجاذبات السياسية بين تلك الدول وقد انعكس هذا الصراع بشكل ملموس في الساحة السياسية الصومالية على أصعدة عدة منها التأثير على مسار الانتخابات الرئاسية السابقة والتي فاز فيها الرئيس الحالي فرماجو كما انتقل الصراع إلى التأثير في الانتخابات الرئاسية للإدارات المحلية كما حصل في إدارة بونت لاند.

 

هنالك مؤشرات واضحة لبدء التوترات بين الرئيس فرماجو ورئيس وزرائه خيري وهو ما يبدو أنه انعكس في ملفات عدة منها الملف الكيني الصومالي وملف أرض الصومال وملفات أخرى

لا يخفى على المتابع للأجندة السياسية في الصومال أن هنالك أجندة انتخابية قادمة إحداها انتخابات رئاسية خلال العامين القادمين وقد بدت ملامح الاستعدادات لهذ الأمر مبكرا في أرض الواقع وذلك من خلال ظهور الصراعات والتحالفات كما أن المنطقة مقبلة على انتخابات رئاسية في إقليم أرض الصومال والذي أثار جدلا كثيرا في الفترة السابقة وتشير التوقعات أن الانتخابات القادمة ستشهد درجة عالية من الاستقطابات الحادة وقد بدت بوادر ذلك جلية للمطلع على الوضع الداخلي

 

وبعيدا عن الانتخابات فإن هنالك ملفا آخرا يبدو أنه سيعزز من سخونة العام ٢٠١٩ في الصومال هذا الملف هو ملف المصالحة بين الحكومة الصومالية الفيدرالية وحكومة أرض الصومال حيث أن الملف بات يحظى بدعم من الدول الكبرى تجاه إيجاد حل له وهو ما حدى بأطراف إقليمية عدة إلى تحريك ملف المصالحة وقد بدأت تركيا هذا الحراك وذلك حينما عينت سفيرها السابق في الصومال السيد أولغان بكير مبعوثًا خاصًّا لها للمحادثات بين الصومال وأرض الصومال لتولي هذا الملف.

 

في وقت لاحق حاولت أثيوبيا تحريك الملف من خلال الاجتماع المفاجئ الذي حاولت أن تجمع فيه بين الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو ورئيس أرض الصومال موسى بيحي لكنه باء بالفشل لأنه يتم التهيئة له بشكل سليم وواقعي وهنالك أنباء تشير إلى وجود أطراف خليجية وتحديدا السعودية والإمارات خلف الدعوة لهذا الاجتماع ويبدو أن الجارة الصغيرة جيبوتي تريد أن يكون لها دور في هذا الملف لاعتبارات عدة حيث رشحت أنباء غير مؤكدة عن نيتها لاستضافة المحادثات والمتابع لنهج دولة قطر في التعامل مع مثل هذه الملفات لا يشك أنها ستكون حاضرة للعب دور ما في هذا الملف إن لم تكن بدأت به فعلا.

 

فيما يظهر فإن العام ٢٠١٩ لن يكون عاما كغيره من الأعوام فقد اندلعت في شهر فبراير الفائت نزاع سياسي بوتيرة غير اعتيادية وتصعيدية متسارعة بين كينيا والصومال إثر إطلاق الأخيرة مؤتمرا في لندن حول الاستكشافات النفطية في الصومال وفرص الاستثمار فيه حيث اتهمت كينيا الحكومة الصومالية ببيع حقوق الامتياز في المناطق الجرف القاري المتنازع عليه وقد أدى هذا الأمر إلى سحب السفير الكيني في الصومال وإمهال السفير الصومالي في كينيا مدة ٢٤ ساعة لمغدرة البلاد لكن هذا الصراع وكما بدأ دون مقدمات منطقية تم طيه بالسرعة ذاتها من خلال المصالحة الخاطفة التي قام بها أبيي أحمد بين الطرفين والتي انتهت بزيارة فرماجو إلى كينيا وعلى الرغم من عودة المياه إلى مجاريها فإن أسباب اندلاع الصراع وسرعة إغلاق الملف لا تبعث بالارتياح وتدفع بأسئلة كثيرة أكثر مما تجيب عليه وخاصة أن القضية ما زالت مرفوعة أمام محكمة العدل الدولية والتي لم تبت حكمها بشكل نهائي في هذه القضية.

 

وأخيرا إن هنالك مؤشرات واضحة لبدء التوترات بين الرئيس فرماجو ورئيس وزرائه خيري وهو ما يبدو أنه انعكس في ملفات عدة منها الملف الكيني الصومالي وملف أرض الصومال وملفات أخرى ويبدو أن الصراعات بينهما بدأت تظهر في مفاصل الدولة المختلفة وتؤثر على أداء الحكومة أكثر مما مضى ولعل ما يحدث في المؤسسة العسكرية في هذه الأيام من تأخر استلام الرواتب هو مؤشر غير مريح لهذا وهذا الصراع هو تكرار لما كان يحدث في الأعوام السابقة عند بدء السباق نحو الرئاسة وهو في هذه الدورة يبدو أكثر شراسة وهنالك تخوفات أن تعيد هذه الصرعات نحو الرئاسة الصومال إلى مربع الاضطرابات السياسية وربما الأمنية وهو ما سيقود البلاد إلى نفق مظلم إن حصل ذلك وحينها سيعرض البلاد والشعب إلى مخاطر عديدة أهمها تركه وثرواته نهبا للقوى الإقليمية والدولية فهل عجز الصومال أن يلد رجالا أولي رشد حقيقي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.