شعار قسم مدونات

فلسفة الجمال في الأشياء البسيطة

blogs سعادة

الجمال يخرق الأرواح يُبهرني يهزني من الداخل يسحرني، يبّثُ فينا المتعة، يجعلنا دومًا مشدوهين إليه. ذاك هو الشعور الخفي الذي يختلج أرواحنا؛ وكأن شيئًا يتسلل إلينا فيُضفي علينا مزيدًا من المتع الحسيّة. هذا الكون كله قائم على الجمال وجمال ذلك؛ النظام والإبداع، التناسق والتكامل، بين مكوناته؛ فهو نظام تتقوّمُ به أشياؤه وظواهره ويسير وفق نظام دقيق. (راجع تدوينة "سيكولوجية الحب.. كيف لنا أن نحيا بغير حب؟!").

يُعجِبُني حفِيفُ الأشْجار، السماء الصافية، البحر الهادئ، تعانق الأغصان، تغريد العصافير في الصباح الباكر، ضحكة طفلٍ بريء لا يعرفُ شيئًا عن بشاعة هذا العالم، صلاة نَاسِكٌ مُتَعَبِّدٌ، زَاهِدٌ في مِحرابه، أب ينتظر بفارغ الصبر مولوده الأول، خروج أسير من غياهب المعتقلات. تساقط قطرات الأمل التي تُلامس الأطفال، وتبلل أوراق الأشجار، وأن نقف خلف النافذة نسمع قطرات المطر التي هي أشبه بموسيقى تطرب لها النفس. الجمال أن تنظر إلى زوجتك نظرة حب وملاطفة وتقوى، وأنَّها شقيقة الروح، وأن يتناسق خوفك من الله مع محبته، والرجاء بجنته، وعدم النظر عمّا حرم الله. 

التأمل هو ذاك العالم الذي يمكنك أن تختزل داخله هذه الحياة، أن تشعر ولو للحظة أنك تملك شيئًا خاصًا بك، نحن ليس هنا من أجل أن نبقى أرواحًا ممزقة ومتعبة

الفرح الصافي أن نبقى نتذوق الجمال مهما بدت لنا الحياة مأساوية، ويجتاحها الغموض، وعدم معرفة السير في الطريق الصحيح، لا بد أن نمتلك الشيء الذي يمدّنا بتذوق الأشياء الأكثر غرابة، وأن نستخرج معادلات السعادة من بين الأمور الأكثر كثافة في الحس والشعور. تعلم أن تحدّث نفسك عن أسباب الفرح وتبعد عن ناظريك كل ما يستوطن روحك من آلام  وأحزان فهذا العالم مليء بما يكفي من أسباب الشقاء والتعاسة وانعدام الأمل.

أريد الحياة بكافة تفاصيلها، الاندماج بين الفقراء، مخالطة الأغنياء، مجالسة العلماء مضاحكة الأطفال، التغزل بجمال الطبيعة، أنظُر للسماء في ليلةٍ حالكة الظلام، لا أحب الروتين، التكرار يقتُلني يجعلني نمطيًا، الجديد هو الذي يحرك فيّ النشاط، والنظر إلى الأشياء من زاوية أخرى. الجمال في كل مكان فقط استخرجه ابحث عنه ربما يكون قريبًا منك وأنت لا تدري الحياة مليئة بالأشياء الرائعة فلا تستحق منّا أن نهملها. اختلي بنفسك مارس أشياء تُسعدك حتى لو كانت أمور بسيطة، اصنع لنفسك عالمك الخاص وهندس داخله كل ما تتمناه. الخيال لا حدود له هل فقدت شخصًا عزيزاً عليك أغمض عينيك تخيل أنك تُجالسَه الآن تبثُّه أشواقك، وآمالك وآلامك، العمر محدود فلا يستحق الأمر أن نُضيّع أعمارنا بما ينغص علينا حياتنا. حلّق في السماء، عانق الطيور سافر بعيدًا، يجب أن نتمتع بكل لحظة تمر علينا. 

تعجبني النظرة الخاطِفة، البسمة الصادقة الكلام العميق، إلى من يربت على أكتافنا لعطينا مزيدًا من الحب والثقة، وأنّ هذا العالم لا يخلو من جمال الأرواح، وأنقياء القلوب. فلسف حياتك، حزنك، فرحك، فشلك، نجاحك، حدث ذاتك دومًا بقدرتك على تجاوز المصاعب، وأن الظلام سينقشع ويحل النور. لا بد من خوض المعركة مع من يريد لنا البقاء في القاع، تحرر من الهواجس التي تجعلك أسير نفسك، تناسى روحك بعض الوقت، تحلل من جاذبية الأفكار السلبيّة، مارس أي شيء يُحدث لك الفرح والسعادة، ليس من الحكمة أن ننتظر الحياة تجلُب لنا السعادة، الحياة تحتاج من يفلسفها يدرسها جيدًا، أن نكون في صراع مع قوانينها، لا بد من السير بعيدًا عن قواعد الحياة اليومية. نحتاج إلى الجديد، إلى الدهشة إلى أن نمارس شيئًا نُسَرُّ به حتى نشبع منه، السعادة أحيانًا تكمن في بعض التفاصيل الصغيرة فبإمكانها أن تحدث الكثير من أفراح الروح.

التأمل هو ذاك العالم الذي يمكنك أن تختزل داخله هذه الحياة، أن تشعر ولو للحظة أنك تملك شيئًا خاصًا بك، نحن ليس هنا من أجل أن نبقى أرواحًا ممزقة ومتعبة. لا تنسى أحلامك، جَدِّد طاقتك، رُوحك، مشاعرك، أفراحك، غير عطرك، لا تسلك نفس الطريق، اقرأ بشغف، سافر كثيرًا، أسعد زوجتك، لاعب أطفالك، واجه ما تهابه، انسج علاقة شخصية سليمة مع ذاتك ومع غيرك، اقترب ممن يمنحك اهتماما صادِقًا وقلبًا مُحبًا، وحياةً جديدة. الحياة لا تتطلب أن نكون دومًا جديين لا بد من لحظة دهشة.. جنون.. انفعال.. بكاء.. فرح.. أن نعيش وفق ما يجعلنا بشرًا بما نملكه من خصائص تمنحنا إنسانيّتنا، وأننا من طينة هذه الأرض كي نتماهى ونتكيَّف مع الأشياء من حولنا وننصهر داخلها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.