شعار قسم مدونات

لماذا لا يوجد ممثلون لحراك الجزائر؟

blogs الجزائر

الجزائر هي لزمن كبير تحت وطأة هذا النظام، وتحت حزبٍ واحد منذ الاستقلال من الاحتلال الفرنسي (1830-1962)، وحتى حين افتتاح التعددية الحزبية في التسعينات، ظلّ هذا الحزب هو الحاكم، دون أن تصنع المعارضة قاعدة لها متينة أو ثقة بينها وبين الشعب، بل بالعكس إن المعارضة في الجزائر أحيانناً كثيرة تعارض نفسها لأنّها في بنائها وتكوينها اختلافٌ في العقيدة والاعتقاد ورؤية المستقبل، وهذا الأمر سهّل على النظام احتلال المشهد وسرقة قمّة البلاد بطريقة شرعية إلى حد ما، كما أن الشعب اليوم فطن ليس من نوم، ولكن من غفلة الوعي وهذه الأخيرة كذلك لا يمكنها بأي حال من الأحوال إن استيقظت أن تنام حتى تسترد الحق أو تموت، كون الفكرة إذا توغلت أصبحت إلها ، لا يمكن لأحد أن يوقفها.

  

الجزائر وحراكها المشهود هذه الأيام، لا يستطيع أحد أن يقارنه بسابِقيه في الدول العربية، ذلك أنّه حالةٌ منفردةٌ ينبغي دراستها في إطارها الخاص، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يرى أو يحاول أن يطّلِع على مستقبلها أحدٌ غير الشّعب وما يريده هو نفسه بدولته، هذا الحراك هو حراك ما يقارب 41 مليون مواطن مرة واحدة، وليس معارضة باسم جماعة، أو مجموعة باسم الشعب، المعارضة هنا هي الشعب ككل، لا أحد من المعارضة سواءٌ الأحزاب أو الشخصيات الكبيرة في البلاد أمسك بزمام الحراك وآلياته أو سطّر طريقته.

  

لقد آمن الشعب الجزائري أن لا ثقة في نهج القيادة مهما كانت، كونه تضرر كثيراً خصوصاً في رؤيته للمعارضة وكيف كانت تتمايل بين الفينة والأخرى

الشّعب ما عاد يثق في أحد غيرَ نفسه، وما هذا الذي نراه اليوم هو نوع جديد في كسب الشعوب لحقوقها، وصراخٌ بطريقة أخرى من معاناة وألم الاستبداد المقنّن لدى أنظمة الحكم العربية، إنّ هذا الأخير ولّد للشعب كلمة واحدة، لا نريد وصاية من حزب ولا نريد متحدثا باسمنا، فالشارع وحده هو المتكلم، والشارع الوحيد هو الحاكم وهو الإعلام الذي يمثّلنا ، لقد كانت المظاهرات والمسيرات خير متحدّث باسم الشعب ذلك أنها كانت سلمية حضارية واعية ومستنيرة بحكم تنظيمها وحسن سلوك الشعب فيها ككل.

 

بداية ثلاث جُمُعات من الحراك المتحضر والسلمي الواضح المطالب، كانت كفيلة بأن يستمع العالم كله حولها، ولكنها للأسف وصلت للعالم ولم تصل لحد الساعة لأقرب نقطة للشعب وهو النظام والحاكم الأول للبلاد، الجزائر الآن هي بين دفتين، نجد الطبقة الحاكمة والتي تمثل النظام، والمعارضة الحقيقية، المعارضة هنا هي الشعب ككل، لم يستطع النظام التعامل مع المطالب والحراك، فلا يستطيع أن يقصي نفسه من جهة، كما لا يستطيع أن يقصي الشّعب كله، لكنّه خمّن في أن يبدأ بترقيع العلاقة ببعض التعديلات التي لم تصلُّح لأن تُصلِح الشرخ الذي اتضح أنّه كبير جداً بينها وبين الشعب.

  

كذلك لو كان للشعب متحدثين باسمه لهرع النظام إلى التفاوض أو ممارسة التضييق، أو شراء الذمم حتى ربما، لكن الوضع الرّاهن أن الشعب كله صار رجلاً واحداً تسمع كلمة واحدة ولكنك إذا أردت أنت تتكلم ينبغي أن تتكلم لــ41 مليون مواطن، هنا لا تستطيع الدولة فعل شيء، حتى الاعتقال أو التحايل لا يمكن، لأنك مع شعب بدون متحدث رسمي أو قائد للحراك أصلا.

 

لقد آمن الشعب الجزائري أن لا ثقة في نهج القيادة مهما كانت، كونه تضرر كثيراً خصوصاً في رؤيته للمعارضة وكيف كانت تتمايل بين الفينة والأخرى، واتضح أنّه رمى بكلمته للشارع وحده، وجعله الفاصل في الوضع؛ لا معارضة واضحة ولا أسس مسطّرة للحراك يستطيع النظام أن يخترقها أو يجد منها سبيلا مشرّفا له، غير إرادة الشعب التي تقول للنظام بوضوح وصرامة تامة "ارحلوا جميعا بدون شروط ولا نقاش ولا حوار، لقد دستم على الدستور الذي كان الرّابط بيننا جميعا، لا نؤمن بغيرنا الآن، نحن الوطن ونحن الدولة ونحن الدستور".

 

هنا عدم وجود ممثلين للحراك هو بمثابة قطع كل المحاولات للنظام أن يخرق المطالب أو يتحايل معها، فلا يستطيع أن يجلس حتى لطاولة حوار أو تفاوض، كما لا يستطيع أن يجد حلاً غير الرّحيل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.