شعار قسم مدونات

حين يأتينا لُطف الله على هيئة أحدهم

blogs حب

وحين سألها يوماً عن أحوالها وأخبرته أنها تعيش أسوأها؛ حاولت أن تصف له شعور الغرق الذي يملأها الآن، أنها تشعر بذاتها بداخلها تفلتت من يديها وصارت غريقة التيه والضياع والخوف الذي حاولت الهروب منهم دوماً! أنها أصبحت لا ترى ذاتها ولا تشعر بوجودها، كلما تحاول تحسسها ترى ظلام يتزايد شيئاً فشيئاً حتى تكاد لا ترى عيناها سواه، وصوتاً يتردد بأنها لن تجد إلا لا شيء.. لا شيء كبيرة. ولا تدري كيف ستواصل المسير إلى حياتها في هذا الظلام وشعور اللاشيء!

 

مهما حاولت، تشعر بأن لا كلمة ستُنصف داخلها برغم ثقتها بشعوره الكامل بها لكن الأمر أشبه بغريق لم يتبق له من الحياة سوى إشارة واحدة بيديه أو صوت عال يُصدره، قادرين على إلفات نظر أحدهم لمحاولة مساعدته وإنقاذه، وهم كثيرون لكن لا أحد يرى أو يلتفت، وقدرته على هذا الفعل البسيط تكاد تنتهي! أفضل ما استطاعت التعبير عنه بوضوح حينها، وهو جلّ ما أرادته بشدة أن يعرفه جيداً، أن لا سبيل للنجاة إلا بـه، بدعواتـه لأجلها التي تستشعر صدقها ودفئها أكثر من دعواتها هي لنفسها.! بالطمأنينة التي تملأها إجباراً عنها كلما تذكرت وجود شخص رائع مثله في حياتها برغم عدم استحقاقها أبداً لمثله!

 

كثيرون هم حولنا، وكثير حبهم وودهم ودعمهم أيضاً، لكن كتف واحد هو القادر على سحب رأسك إليه بلين ورفق وإلقاء بعض حملك عليه فلا تشعر إلا بتحرر لطيف من أثقالك فتتنفس معه براحة،

بقلبه الجميـل ذاك الذي لا زال يتحمل تواجدهاّ فيهّ برغم السوء الذي يراه منها وبها، السوء الذي يُشعرها دوماً بأنها لا تستحق مثله، والذي يدفعها دوماً لتكون شئ جيداً ومهما حاولت فلا تجد في النهاية إلا اللاشيء الكبيرة خاصتها، بابتسامته الوديعة المطمئنة لها وهي مُقصرة ومخطئة وخائفة وضائعة وخجلانة أمام نفسها وأمامه، فترتب بعض الفوضى بداخلها وتعيدها شيء من نفسها! كمن يرى طفل يبكي فقده لعلبته المفضلة، فيمسح دموعه بيديه ويمنحه حلوى لذيذة تُنسيه بعض الشيء وتُعيد لثغره الجميل ضحكته. بثقتها بقَدرِها في قلبه مهما ساء حالها مهما ضعفت إرادتها مهما كانت غير الشخص الذي عاهده دوماً، مهما كشفت له عن عيوبها وأخطائها الجديدة عليه وعليها.

 

كثيرون هم حولنا، وكثير حبهم وودهم ودعمهم أيضاً، لكن كتف واحد هو القادر على سحب رأسك إليه بلين ورفق وإلقاء بعض حملك عليه فلا تشعر إلا بتحرر لطيف من أثقالك فتتنفس معه براحة، يد واحدة هي القادرة على شَدِك من قيعان يأسك وانهيارك، وتسحب ببساطة ثقل جسدك ونفسك إليها فتنهض بأمل واطمئنان، ابتسامة حنونة دافئة واحدة، كفيلة بأن تمنح وجهك بسمة جديده مقبلة على الحياة غير بسمتك تلك الباهتة اليائسة، رسالة واحدة أو حتى كلمة واحدة قوية قادرة على إيقاف حبل أفكارك فتنقذ عقلك من لعنة تلك الأفكار القاتلة وإنهاءها البطيء.

  

حضن واحد دافئ بالحب الذي يحمله ينتظرك ويستقبل خطواتك الثقيلة على الأرض إليه بصبر وتفهم، فيأخذك من نفسك قليلاً ولو ببعض الصمت فتهدأ وتستكين في حضرته. المسألة تكمن في الصدق، الصدق الذي تعشقه قلوبنا، وهو سعيها الأول والأخير، تستشعره عن بعد مهما كانت بساطة الطريقة التي تعبر عنه، ومهما كان الشخص الذي يحمله وقتها، وهذه إحدى صوره، يأتي كل مرة في صورة ما على يد شخص ما، وقد يأتي كل مرة على يد الشخص ذاته -وهذا الشخص هو بطل حياتنا لا شك- لكنها في النهاية هي صور من لطف الله ورحمته الواسعة بنا يرسلها على هيئة أحدهم والصدق بقلبه فننجو به، بالله أولاً وأخيراً.

 

أياً كان ومهما أصابنا الزمن لا ننسى أبداً؛

كل شخص منحه حباً وتقبلاً في أشد الأوقات التي سخط فيها على أنفسنا وكرهناها!

كل شخص أهدانا بسمة ووردة أول النهار فأضحك بها يومنـا وأضاف إليه شيء من الجمال،

كل شخص ترك لنا في نهاية أيامنا الصعبة رسالة حب وطمأنينة وأمل وقت إحساسه باستسلامنا ويأسنا فرسم بها بسمة على وجوهنا وترك بفضلها أثراً جيداً في عقلنا وامتناناً لهم في قلوبنا لن يزول بإذن الله.. فخلدنا إلى فراشنا نردد كلماتهم لنُسعد بها أنفسنا، مطمئنين بوجودهم الخفيف اللطيف هذا في حياتنا!

 

كل شخص تبسّم في وجهنا وسط الضيق، وهدأ من روعنا وقت الخوف والقلق أو حاول!

كل شخص تصدّق علينا بكلمة طيبة سلكت طريقاً نحو قلوبنا فأسعدتها وخففت عبء يوماً من أيامها!

كل شخص تقبّلنا هكذا؛ بعيوبنا وأخطاءنا وتقصيرنا.. تقبلنا وصبر علينا وتفهم أعذارنا في وقت عجزنا فيه نحن على تقبل أي شيء فينا؛ الجيد والسيء!

لا ننسى.. وإن بعدتنا المسافات والظروف وتبدل الأحوال والقلوب، وتغير العلاقات!

لا ننسى كل من حفر وجوده في حياتنا ولو بكلمة طيبة ثم غادر.. أساساً لا يحق لنا النسيان!

سنظل ممتنين لهم بإضافة شيء جميل إلى حياتنا؛ بمقدار كلمة أو بسمة أو وردة أو حب نثق في صدقه رغم كل شيء.

 

سلاماً طيباً، وقلباً ممتناً لمروركم الكريم، وعقلاً لا ينسى أثركم، ودعوات نرسلها إلى السماء لأجلكم وذكرى طيبة لا تُنسى بإذن الله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.