شعار قسم مدونات

نجاة مجيد.. الطبيبة التي تناضل من أجل قضايا الأطفال

blogs نجاة مجيد

نجاة مجيد؛ اسم طالما اقترن بالنضال على جبهة قضية الأطفال والدفاع عن حقوقهم الكونية وحمايتها، حملته سيدة نذرت حياتها للاهتمام بالأطفال دون مأوى، فكان قلبها بيتا لكل طفل يفترش الأرض ويتدثر بالسماء، وركزت كل جهودها المهنية والتطوعية خدمة لإزاحة الخطر عن الأطفال ومحاولة تحسين ظروف وشروط عيش هذه الفئة داخل المجتمع.

  

هي سيدة، اختارت منذ فجر مسارها المهني، القرب من فئة الأطفال والتخفيف من معاناتهم وآلامهم، فكان اختيارها دراسة طب الأطفال بفرنسا، امتدادا لاهتمام تشكل منذ الصبا، سيكبر ويشتد عوده بعد التخرج وبداية مزاولة مهنة علاج الأطفال. تدرجت في مهمات مهنية واجتماعية، من طفلة ذات 13 سنة تشتغل كعاملة في مصنع، إلى خبيرة دولية في قضايا الوقاية من الاستغلال والاعتداء الجنسيين، لدى الأمم المتحدة، وحازت جوائز وأوسمة وتعيينات عديدة.

 

بدايات أول امرأة عربية تناضل من أجل الأطفال

نجاة مجيد معلا، هي طبيبة مغربية حفزت لديها مهنتها، عبر ما تستمع إليه من طرف الأطفال وتنصحهم به، وما تقوم به لتعديل وضعية هشاشتهم، (حفزت لديها) الرغبة في خلق إطار مدني يهتم بقضايا الطفولة المهمشة أو في وضعية صعبة، يوفر لهم الرعاية والحماية. بعد الانتهاء من دراساتها الجامعية العليا في الطب بكل من المغرب (الرباط) وفرنسا (بوردو وتولوز)، فتحت مجيد، المزدادة سنة 1959، عيادة خصوصية، ثم انتقلت بعدها لممارسة مهامها كطبيبة أطفال بالدار البيضاء وبوردو.

 

ستدخل طبيبة الأطفال حياة الزوجية، وترتبط بنجل الرئيس الراحل والأسبق للجامعة الملكية المغربية لكرة المضرب الراحل محمد مجيد، وترزق منه بطفلتين (هند وصفية) في أقل من عقد من الزمن، لتنتهي رابطتهما الزوجية بوفاة الزوج. وبقي اسم الشهرة "مجيد" لصيقا بها وبحراكها الاجتماعي، في وفاءٍ منها لاسم ارتبط بها منذ بداياتها في الفعل الجمعوي، حيث أضافته إلى اسمها العائلي الحقيقي "معلا"، كما تعيش نجاة أرملة منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، دون أن تتمرد على صفة «أرملة» بناءً على رغبة هند وصفية، ووفاءً لروح الفقيد زوجها.

 

تحضر نجاة مجيد في الساحة الحقوقية المغربية، في نافذة الدفاع عن الأطفال/القاصرين وحماية حقوقهم، فهي متقلدة لمهام داخل مؤسسة محمد الخامس، مكلفة بإعادة تأهيل وإدماج القاصرين والراشدين في حالة نزاع مع القانو

بالموازاة مع عملها المهني، انخرطت نجاة مجيد في تجارب جمعوية مرتبطة بعالم الطفولة المشردة، كان أبرزها "مؤسسة ساعة الفرح"، رفقة مجموعة من سيدات الأعمال، لتراكم مساراً نضاليا غنيا في المجال، وتقرر بعدها الانفصال عنهم وتؤسس تجربة "مؤسسة بيتي" بحي البرنوصي بالبيضاء.

 

مؤسسة "بيتي": بارقة أمل للأطفال

مؤسِسة "بيتي" ستفعل لأول مرة في مجال الطفولة المحرومة بالمغرب، فِعلاً تشهد لها مؤسسات رسمية وغير رسمية بجدواه وفاعليته، على الأقل على المستوى المحلي، حيث فتحت أبواب الجمعية للأطفال الذين يعيشون في الشوارع، والأطفال المودعين في مؤسسات، والأطفال غير المصحوبين بذويهم، والأطفال المحرومين من الرعاية الأبوية، وساهمت على المستوى التنظيمي، في إعداد السياسة المغربية الوطنية بشأن حماية الأطفال، وعملت مع عدة منظمات غير حكومية دولية ومنظمات حكومية، في مجالات معالجة حالات الأطفال الذين يعيشون في الشوارع في المغرب.

 

تقول مجيد في إحدى تصريحاتها الصحفية، أن الجمعية، العاملة في مجال إعادة الإدماج الأسري والمدرسي والسوسيو مهني للأطفال الموجودين في وضعية صعبة، رأت النور بعد أن التقت طفلا في الشارع، وتابعت حوالي أربعين شخصاً من أقرانه يعيشون في الشوارع، وهزتها محنتهم، لتنتهي إلى أنه بات من الضروري فعل شيء لأجلهم، خصوصا وأنها اكتشفت لديهم شجاعة ورغبة في البقاء.

 

"بيتي" اسم اختاره من وفدوا أولا على الجمعية، لأنه يمثل لديهم الملجأ والحماية والحب وكل ما يوفره البيت العادي للأطفال العاديين، الذي من المفروض أن يمتلكه كل أطفال العالم، لينعموا بالحماية من العنف والاستغلال والاغتصاب والاعتداء الجنسي والاتجار، وليكونوا على وعي بمشروع خاص لحياتهم، بعد أن تُضمن لهم حقوقهم في الصحة والتعليم والنمو والمشاركة، من طرف الأسرة والدولة والمجتمع.

 

الطريق لنجاة مجيد في بداياته، لم يكون مفروشا بالورود، فقد تعرضت للاعتقال مع أطفال ومربين في تسعينيات القرن الماضي، حيث كان الحديث عن أطفال الشوارع، من الممنوعات، تقول مجيد، مضيفة، أن رجال الشرطة لم يفهموا ما كانت تقوم به ولا يثقون فيما يفعله. اعتبرت رئيسة الجمعية، في تصريحات متفرقة، أن عمل المؤسسة لا يمكنه أن يقلل كثيرا من عدد أطفال الشوارع، بسبب عدم تواجدها بكل ربوع المملكة وبسبب تعدد أسباب وجود الأطفال في الشارع، والتي يكون أبرزها انخفاض المستوى الاقتصادي للأسر، لكن، وفي الجهة المقابلة، تمكنت الجمعية من تشغيل 51 أجيرا قارا، و20 متطوعا ضمن هيكلتها الإدارية والتنفيذية.

 

أنتجت مجيد العديد من المقالات العلمية حول مواضيع تتعلق باستغلال الأطفال وبأنشطة المجتمع المدني الموجهة لخدمة قضايا الأطفال
من النضال على المستوى المحلي إلى الدولي

غادرت تلك الفتاة البيضاوية، منزلها العائلي في سن مبكرة (14سنة)، لأجل استكمال الدراسة، واشتغلت كعاملة في مصنع، قبل عام من ذلك، كما أنها توجد ضمن أربعة إخوة يشكلون أسرة معلا الصغيرة. ولقد جرت مياه كثيرة في حياة نجاة مجيد، جعلت منها امرأة صلبة، تمكنت معها من رعاية ابنتيها حتى بلوغهما سن المستوى الجامعي واختيارهما دراسة علوم التواصل، ومن التدرج في مناصب ومهام خلقت من اسمها مرجعا في الدفاع عن القضايا المرتبطة بالأطفال، والبحث عن حلول لمشكلاتهم، قبل أن تختص في مجال "البيدوفيليا".

 

تحضر نجاة مجيد في الساحة الحقوقية المغربية، في نافذة الدفاع عن الأطفال/القاصرين وحماية حقوقهم، فهي متقلدة لمهام داخل مؤسسة محمد الخامس، مكلفة بإعادة تأهيل وإدماج القاصرين والراشدين في حالة نزاع مع القانون، وعضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب وتسدي خدمات استشارية للعديد من المنظمات الدولية كاليونسكو واليونيسيف والإتحاد الأوربي، في مجال رعاية هذه الفئة والتقليل من آلامهم الظاهرة والخفية.

 

اشتغلت مجيد، بين سنتي 2008 و2014، كمقررة خاصة للأمم المتحدة حول ملف الاتجار بالأطفال واستغلالهم في البغاء وفي الأفلام الخليعة، ولتميزها في مسارها المهني ومبادراتها المواطنة في مجال العمل الاجتماعي، تم اختيارها، بصفتها الجمعوية، شخصية السنة لـ2018، نظير التزامها وتفانيها من أجل قضية الأطفال الأكثر هشاشة، في استطلاع للرأي أجرته وكالة المغرب العربي للأنباء لدى مختلف وسائل الإعلام.

  

وأنتجت مجيد العديد من المقالات العلمية حول مواضيع تتعلق باستغلال الأطفال وبأنشطة المجتمع المدني الموجهة لخدمة قضايا الأطفال، كما أنجزت دراسات لمؤتمرات دولية ومنظمات تهتم بموضوع الأطفال واستغلالهم. إلى جانب أنها، حازت جوائز تقديرية عديدة، كجائزة "ناتالي" التي يمنحها المركز الدولي للطفولة والأسرة، باريس سنتين بعد تأسيس جمعية بيتي، والجائزة الأوروبية لطب الأطفال الاجتماعي في نفس السنة، كما حازت جائزة الجمهورية الفرنسية لحقوق الإنسان سنة 2000، وهي الجمهورية ذاتها التي منحتها وسام جوقة الشرف الوطني ثلاث سنوات بعد ذلك.

 

نجاة مجيد، ستصل نهاية فبراير من سنة 2019، إلى تقلد مهام دولية، على إثر تعيينها ضمن لجنة تضم سبعة خبراء دوليين، من طرف الأمين العام للأمم المتحدة، في اللجنة الاستشارية للمجتمع المدني حول الوقاية من الاستغلال والاعتداء الجنسيين، التي تهدف إلى تعزيز التعاون والتشاور بين المجتمع المدني والمنظمات الخارجية في المجال.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.