شعار قسم مدونات

هل مارس روحاني التحايل والخداع بحقّ الشعب الإيراني؟

blogs روحاني

يكثر الجدل في الشهور الماضية وسط الشارع الإيراني عند الحديث عن الرئيس حسن روحاني، وتقييم فترته الرئاسية لاسيما في دورتها الثانية التي شهدت تطورات جمة كان أهمُّها خروج الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي، وعودة الحظر الاقتصادي على إيران في الرابع من نوفمبر عام 2018. وينقسم الإيرانيون في هذا الصدد بين مؤيّد لروحاني ومدافع عن نهجه وسياساته، وبين معارضٍ يتهمه بممارسة الكذب والتزييف في وعوده الانتخابية التي عجز عن الوفاء بها في ظلِّ تردي الوضع المعيشي للمواطن البسيط.

وقد وصل روحاني إلى الرئاسة في الدورة الأولى في الخامس عشر من يونيو عام 2013 خلفا للرئيس السابق محمود أحمدي نجاد المحسوب على تيار المحافظين. وكان فوز روحاني الساحق آنذاك سببا من أسباب تراجع حدة الاحتقان السياسي والاجتماعي في الشارع الإيراني جرّاءَ التقاطب الشديد بين تيار المحافظين وتيار الإصلاحيين بعد أزمة انتخابات 2009 وما أعقبتها من أحداث واحتجاجات. وقد ذهب النائب البرلماني وأمين عام حزب الاتحاد الإسلامي على شكوري راد إلى أن أكبر إنجاز للرئيس حسن روحاني هو إنقاذ إيران من الأزمة التي كانت تعصف بالبلاد قبل مجيئه والتي كانت تسير بإيران نحو السقوط، وبذلك استطاع الرئيس الجديد حسن روحاني أن يكونَ حلقة وصلٍ بين التيارين المتباعدين، وأن يهدّئ الأمور نسبيا في البلاد، وقد سُمّي تيار روحاني الجديد تيار الاعتدال، وهو يحمل إشارةً غير مباشرة إلى التشدد الموجود عند المحافظين، وكذلك التطرف وعدم الالتزام بمبادئ الثورة الإيرانية عند الإصلاحيين كما يقول المتابعون للشأن الإيراني.

يتساءل كثير من الإيرانيين حول حقيقة الوعود التي اقتطعها روحاني، ووعد بها جمهورَه الانتخابي قبل أن يتسلّم مقاليد الحكم لفترةٍ رئاسيةٍ ثانية، ويتردد في الآونة الأخيرة كلام حول خداع الرئيس للإيرانيين

وقد اعتمد تيار روحاني اللون البنفسجي رمزاً له، وتمييزا عن التيارين الآخرين على الرغم من قربه إلى التيار الإصلاحي مقارنة مع التيار المحافظ. واتسمت فترة روحاني الأولى بالهدوء والاستقرار السياسي والاقتصادي؛ حيث استطاعت الدبلوماسية الإيرانية التوصل إلى اتفاق حول برامجها النووي مع القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية عام 2015، توقفت بموجبه العقوبات الاقتصادية على إيران، وعودة الكثير من الشركات العالمية إلى الاستثمار في الداخل الإيراني كشركة "توتال" الفرنسية ومؤسسة البترول الوطنية الصينية، والتوصل إلى اتفاقيات حول حقول النفط والغاز الإيراني مع دول كروسيا وتركيا والصين، ما يعني تخلّص البلاد من عزلةٍ دوليةٍ ومشاكل اقتصادية كثيرة، وقد ترتب على هذا الانفتاح على العالم تراجعا في نسب التضخم من 40 بالمئة إلى 8 بالمئة وهو إنجاز كبير في لغة الأرقام والاقتصاد، إضافة على ذلك تمكّنت حكومة روحاني في فترتها الأولى تحقيق معدل نمو بلغ 6.6 بالمئة.

وسرعان ما تغيرت الأوضاع الاقتصادية في إيران في الدورة الثانية من رئاسة روحاني قُبيل خروج الولايات المتحدة الأمريكية وبعده، إذ شهدت البلاد احتجاجات وصفت بالحاشدة في مختلف المدن، اندلعت يوم 28 ديسمبر 2017 واستمرت لعدة أيام مطالبةً بالإصلاح وتحسين الظروف الاقتصادية المتردية، وقد تخللت هذه الاحتجاجات بعض أعمال عنفٍ وتخريب، كما سُمعت فيها بعض الشعارات المناهضة للنظام الإيراني، وهتافات ضد رموز النظام وأعمدته.

ورُغم اتهام المسؤولين الإيرانيين لأطراف في الخارج والداخل على تحريك هذه الاحتجاجات، إلا أنهم يقرّون في الوقت نفسه بوجود حالة من عدم الرضا في الشارع الإيراني حيالَ سياسات الحكومة داخليا وخارجيا ويعدون بالعمل من أجل صياغة حلولٍ عملية. وبعد خروج واشنطن من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات على إيران ازداد الوضع الاقتصادي الإيراني سوءًا وترديا، وشهدت البلاد حالةً من الغلاء الفاحش والارتفاع غير المسبوق في السلع والاحتياجات الأساسية عِقب تدهور العملة الإيرانية أمام العملات الأجنبية. وحتى اليوم يواجه الاقتصاد الإيراني حالةً من عدم الاستقرار وإن كانت قد تحسنت مقارنةً مع الشهور الماضية حيث ناهز سعر الدولار الأمريكي 200000 ريال إيراني وهو واقع غير مسبوق في الحياة الاقتصادية لإيران.

وفي ظلِّ هذا التأزم المستمر يتساءل كثير من الإيرانيين حول حقيقة الوعود التي اقتطعها روحاني، ووعد بها جمهورَه الانتخابي قبل أن يتسلّم مقاليد الحكم لفترةٍ رئاسيةٍ ثانية، ويتردد في الآونة الأخيرة كلام حول خداع الرئيس للإيرانيين، وإعطائهم وعودا كاذبة من أجل تحقيق مكاسب انتخابية وحزبية. فهل حقّا خدع حسن روحاني الشعب الإيراني أم إنه واقع فُرض عليه وعلى حكومته وشعبه؟

أسباب تعثّر روحاني في الوفاء بوعوده الانتخابية
نعتقد أن روحاني مثله مثل غيره من المرشحين في الانتخابات كانت لديه وعود انتخابية، وأن عدم وفائه بهذه الوعود بشكل رئيسي راجع لأسباب خارجة عن إرادته وإرادة حكومته، وأنه كان ينوي حقّا الوفاءَ بها لولا ظهور وقائع وأحداث غير متوقعة على الصعيد الداخلي والخارجي أعاقت تحقيق هذه الوعود، وهذه الأسباب حسب رأينا كانت:

أولا: وجود أطرافٍ دوليّةٍ كالولايات المتحدة الأمريكية وغيرها التي تحاول ضربَ الاقتصاد الإيراني والتأثير عليه من خلال العقوبات الاقتصادية، وممارسة الضغط عبرَ التهديد والوعيد. 

ثانيا: تكاليف السياسة الخارجية الإيرانية تجاه المنطقة والأحداث التي شهدتها دولٍ كسوريا واليمن والعراق، فبعض الأصوات الإيرانية تتهم الحكومة بالانخراط في أزمات إقليمية مكلفة، وإهدار ملايين الدولارات على قضايا كانت إيران في غنىً عنها حسب رأيهم، وقد ترددت بعض الشعارات في الاحتجاجات الأخيرة تندّد بهذه السياسة الخارجية الإيرانية تجاه أحداث المنطقة وتطالب الساسة وصنّاع القرار بالتركيز على الداخل وتحسين الأوضاع المعيشية.

ثالثا: وجود حالةٍ من "الصراع الصامت" بين تيار روحاني والإصلاحيين من جانب، وتيار المحافظين ذات الشوكة والنفوذ في الاقتصاد الإيراني من جانب آخر، فهذا الصراع ورغم غيابه من الظهور الرسمي إلا أنه قائمٌ على قدمٍ وساق، وقد ذهب البعض إلى أن الاحتجاجات التي شهدتها إيران نهاية 2017 وبداية 2018 ما هي إلا خطة للضغط على حكومة روحاني، قام بها المحافظون الذين قادوا الاحتجاجات من مدينة مشهد التي يحكمها مقربون من التيار الأصولي المحافظ.

رابعا: انتشار الفساد الاقتصادي وكثرة حالات الاختلاس وغسيل الأموال التي تحدث بين الفينة والأخرى والتي تخلّف آثار سيئة على الاقتصاد، وقد قامت الحكومة والقضاء الإيراني بعدة مبادرات لمعاقبة الفاسدين والمخلين بالاقتصاد كإعدام أشخاص مدانين بقضايا فساد، وهو ما جعل البعض يتفاءل بعزم الحكومة في القضاء على ظواهر الفساد.

فهذه الأسباب الرئيسية وغيرها جعلت روحاني يفشل في الوفاء بوعوده الانتخابية ما أدى إلى تنامي حالةٍ من عدم الرضا والنقد المتزايد له ولحكومته حتى من بين الإصلاحيين أنفسهم ناهيك عن المحافظين المشككين بكفاءة روحاني أصلا، وقدرته على إدارة البلاد. كما أن وجود بعض الوعود الكبيرة وغير المدروسة من جانب روحاني كوعده بمتابعة ملف قادة الحركة الخضراء والسعي لإنهاء الإقامة الجبرية المفروضة عليهم منذ عام 2009 ساهمت في التقليل من شعبية روحاني في أعين الشعب الإيراني لاسيما أنصار تلك الحركة، ما جعل البعض يتهمه بممارسة الخداع والتزييف من أجل تحقيق مكاسب انتخابية وحزبية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.