شعار قسم مدونات

الحراك السلمي الجزائري.. هل يصحح مسار الثورات العربية؟

blogs الجزائر

تعيش الجزائر منذ أسابيع حراك سلمي واسع النطاق، تمثلت مطالبه في رفض ترشح الرئيس المنتهية عهدته الى عهدة خامسة، والعديد من المطالب الأخرى من بينها: رحيل الفاسدين والعصابة التي تتكلم باسم الرئيس المريض. انطلقت المسيرات في جميع ولايات الوطن والشيء الذي ميزها هو سلميتها، أين أثبت المواطن الجزائري أنه مواطن متحضر وفي كامل وعيه بحقوقه وواجباته تجاه الوطن، إن السلمية التي طغت على هذه المسيرات لم يسبق لها مثيل في جميع الدول العربية، بل حتى دول أوروبية، وخير مثال: المسيرات التي اندلعت في فرنسا شهدت تخريبا على جميع المستويات.

لقد عاش الجزائريون قرابة الثلاث عقود الماضية وهو يحاول حماية وطنه والتنازل على العديد من حقوقه لأجل هذا الوطن، خاصة بعد العشرية السوداء، مع كل هذه الأعوام زاد وعي المواطن الجزائري بشكل كبير، حتى أنه تجاوز فترة ثورات الربيع العربي ولم تحدث ثورة في الجزائر وهذا راجع للعديد من الأسباب منها: إصلاحات النظام، وبشكل أكبر محاولة منه الحفاظ على الوطن.

اختلفت نتائج الثورات العربية من دولة لأخرى، لكن الملاحظ للوضع يرى أنه تم الانقلاب على هذه الثورات بثورات موازية، ومصر خير دليل على ذلك

استطاع الشعب الجزائري المحافظة على وطنه في العديد من المرات، رغم علمه ووعيه بالفساد الحاصل في قمة السلطة، وغياب الرئيس الذي أقعده المرض، وضبابية الوضع داخل النظام الحاكم، وخير مقولة تنطبق عليهم هي: إنهم كاذبون، ويعلمون أنهم كاذبون، ويعلمون أننا نعلم أنهم كاذبون، ومع ذلك فإنهم يكذبون بأعلى صوت. لما علم الشعب الجزائري أن الانتخابات القادمة التي تم ترشيح فيها بوتفليقة وهو في مستشفى سويسرا في حالة حرجة، قام وقفت رجل واحد ضد هذه المهزلة السياسية والتلاعب بالدستور، فشهد الجزائر موجة غير مسبوقة في تاريخها الحديث، امتدت في جميع ولايات الوطن، وشارك فيها الملايين التي جمعتهم كلمة واحد وهي الحفاظ على الوطن من النظام الفاسد.

بعد ثلاثة أسابيع من المسيرات السلمية بدأ النظام يتخبط، فلقد استقال العديد من نواب البرلمان ورؤساء البلديات وانظموا الى الحراك الشعبي، وما زاد معاناة النظام هو خروج المحامون والذهاب إلى المجلس الدستوري ويطالبوه باحترام القوانين، مع هذا التخبط ما زال النظام يحاول النجاة من الأزمة التي تواجهه وذلك بمحاولة ترشيح بوتفليقة لسنة فقط لكي يقوم بإصلاحات، طبعا هذه الاصلاحات تخدم النظام القائم ولا تخدم الشعب، لكن هذا الشعب صاح في مسيرات سلمية وبصوت عالي رافض لكل هذه العصابة، والمسيرات السلمية مزال متواصلة حتى يرحل النظام الفاسد.

هل يصحح مسار الثورات العربية؟
جاء الحراك السلمي في الجزائر بعد ثمانية سنوات من أحداث الربيع العربي التي انطلقت من تونس وانتشرت في ليبيا ومصر والعديد من الدول الأخرى لقد اختلفت نتائج الثورات العربية من دولة لأخرى، لكن الملاحظ للوضع يرى أنه تم الانقلاب على هذه الثورات بثورات موازية، ومصر خير دليل على ذلك، اليوم تعاني الشعوب العربية من نتائج هذه الثورات التي انقلبت عن مسارها الصحيح، وذلك راجع لتدخلات خارجية. إن جميع العالم يشاهد الحراك السلمي في الجزائر، ومن بينهم الدول العربية وخاصة الدول التي خاضت غمار الثورات العربية، وهي كلها أمل في أن تعيد الانتفاض بسلمية لتغيير أوضاعها الراهنة التي وصلت لها جراء الانقلاب على الثورات من قبل أطراف أخرى، ومصر تعتبر من أكثر الدول التي قد تنتفض من جديد، وذلك راجع الى المعاناة التي يعيشها المواطن المصري وذلك بتغيير الدستور التي ترسخ لحكم ديكتاتوري أبدي، والأزمات الاقتصادية، والتضييق على الحريات والاعتقالات وعمليات الإعدام التي يقوم بها نظام عبد الفتاح السيسي، وبما أن الشعب المصري يتابع الأحداث في الجزائر ويرى سلمية المسيرات، بالإضافة إلى كل عوامل التضييق التي يعيشها، قد تجعل من الشعب المصري ينتفض ضد الحكم الديكتاتوري.

أما بالنسبة لتونس فإن النظام متخوف من انتقال المسيرات إليها، وذلك راجع لعدة عوامل منها الديمقراطية الفتية التي تعيشها تونس، حيث صرح الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي "أنه ليس في موضع لتقديم الدروس للجزائر، والشعب الجزائري حر في التعبير كما يريد"، وقام بمنع مسيرات للجالية الجزائرية في تونس، وهذا راجع لتخوفه من انتفاضة الشعب التونسي ضده، كونه يتميز بالوعي والتفتح الكامل وتأثره بالمسيرات السلمية في الجزائر. إذن الأحداث في الجزائر قد تؤثر على دول الجوار وخاصة منها التي تعرضت لثورات الربيع العربي، كونها ما زالت تعاني من التضييق خاصة في الحريات، التي خرج الشعب قبل سنوات مطالبا بها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.