شعار قسم مدونات

التربية الإعلامية.. طريقنا الأمثل في التصدي للأخبار الكاذبة

BLOGS مواقع التواصل

بدأت الأخبار الكاذبة كظاهرة تنتشر عبر منصات الإعلام الرقمي ومواقع التواصل الاجتماعي، حتى تحولت إلى مشكلة تتطلب من الصحفيين والباحثين وضع حلول جذرية لمحاربتها والحد منها بسبب خطورتها على الأفراد والمجتمعات، فالأخبار الكاذبة تحمل معلومات مُضللة وخادعة تُختلَق عمدًا بقصد خداع الطرف الآخر وحثهُ على تصديق الأكاذيب والتشكيك في الحقائق، تُنشر عبر الإنترنت وتنتقل إلى وسائل الإعلام تدريجيًا لتحقيق عدة أهداف كأن تكون سياسية أو اجتماعية أو غير ذلك، والتأثير في الرأي العام المحلي أو الدولي.

ومصطلح الأخبار الكاذبة ليس جديدًا، بل موجود منذ ظهور الصحافة المطبوعة، لكنّهُ حظى بأهمية بالغة تحديدًا في عام 2016م وتزامنًا مع انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة، بسبب نشر وتداول الكثير من الأخبار والمعلومات غير الصحيحة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام التي تعتمد على الإنترنت كمصدر في الحصول على المعلومات، وموقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في المؤتمر الصحفي الذي وجه فيه كلمات: "أنتم أخبار كاذبة" إلى مراسل قناة سي إن إن، كان كفيلًا بجعل المصطلح ينتشر بشكل أوسع على صعيد عالمي وبين السياسيين حول العالم.

يتبلور دور التربية الإعلامية الرقمية بشكل أكثر وضوحًا في محاربة الأخبار الكاذبة والشائعات وكشف المعلومات الخاطئة، من دورها في تنمية وتعزيز قدرات ومهارات التفكير الناقد لدى الأفراد والمستخدمين

والأخبار الكاذبة لا تقتصر على نوع واحد فقط، بل تتنوع لتتعدد أهدافها ووظائفها، فهناك:
1- أخبار ساخرة تسلط الضوء على حدث أو قضية بطريقة ساخرة كاذبة لكن بمجرد انتشارها بشكل أوسع خارج إطار الموقع الذي نُشِرَت فيه تكون لها القدرة على خداع الجمهور.
2- أخبار مضللة تحمل معلومات حقيقية موظفة في سياق خاطئ وغالبًا ما تحمل حقائق واقتباسات تم انتقائها بدقة وعناية، من الصعب كشفها بسهولة.
3- أخبار ذات صلة خاطئة تحمل عناوين ليس لها أي ارتباط بالمضمون، كثيرًا ما تسعى إلى تحقيق أهداف تجارية كالحصول على مشاهدات أو تفاعل من الجمهور.
4- أخبار مُلفقة تدفع المستخدمين والقراء إلى تأييد موقف خاطئ أو تغيير صورة معينة في أذهانهم، تحمل مضامين كاذبة ولا أساس لها من الصحة.
5- أخبار يتم فيها انتحال هوية شخصيات سياسية أو فنية مشهورة عن طريق تصميم صفحات أو إنشاء حسابات وهمية يُنشر فيها أخبار ومضامين كاذبة أو إنتاج مقاطع فيديو مفبركة ومعدلة باستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، كما حصل عندما انتشر مقطع ظهر فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وآخر ظهر فيه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، يتحدثون إلى الناس وكأنهُ خطاب رسمي وحقيقي لكنّهُ بالأصل مزيف.
6- أخبار متحيزة، فالإنسان بطبعه يميل إلى ما يتوافق مع معتقداته ووجهات نظره فينحاز إلى تلك الأخبار بقصد أو بدون، حتى وإن كانت خاطئة وكاذبة، هنا تستغل بعض وسائل الإعلام هذا الأمر لنشر وبث معلومات مفبركة يجعلها تحظى بشعبية بين القراء لأنها تتفق مع أفكارهم وميولهم وتوجهاتهم.

وفي ظل غزارة المعلومات والأخبار من حولنا، يتعمد بعض مستخدمي الإنترنت وبعض الإعلاميين ووسائل الإعلام نشر الأخبار الكاذبة والترويج لها لتحقيق أهداف عدة، وذلك باستغلال سرعة انتشار الرسائل عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي يستخدمها ملايين الأشخاص حول العالم في أماكن مختلفة، فنجد المعلومات الخاطئة، والصور المزيفة، ومقاطع الفيديو المفبركة تنتشر بسرعة في مناطق الصراع والحروب، على أمل أن تجدها وسائل الإعلام وتُعيد نشرها دون التحقق من دقة ما ورد فيها للحصول على سبق صحفي، بالتالي تأخذ هذه المعلومات الكاذبة طريقها إلى آلاف المتابعين الذين يثقون بهذه الوسيلة الإعلامية، فيحدث التأثير وتتحقق أهداف وغايات الفرد أو الجهة التي قامت بنشر أو بث تلك المعلومات، ومن أبرز أهداف نشر الأخبار الكاذبة تغيير المواقف والاتجاهات وأولويات الجمهور إزاء القضايا والأحداث، وتطبيق قوانين الدعاية والتأثير السياسي، فضلًا عن تشويه صورة الشخصيات السياسية والاجتماعية وتسقيطها، وإضعاف قوة الصحافة والإعلام وزعزعة ثقة الجمهور فيها، والتأثير عاطفيًا على مشاعر الجمهور وكسب تأييدهم إزاء قضايا قد لا تصب في مصلحتهم العامة، وأهداف أخرى كتضليل الجمهور وإبعاد أنظاره عن الحقائق وتشويهها وتحريفها، وزرع الفتنة باستفزاز شرائح معينة وإثارة الفوضى والشغب والنعرات الطائفية.

هُنا يأتي دور التربية الإعلامية الرقمية في التصدي لهذه الظاهرة أو المشكلة؛ فهي تسعى إلى تزويد الأفراد بمهارات التعامل مع وسائل الإعلام (التقليدية والجديدة) عن طريق تمكينهم من الوصول إلى الرسائل الاتصالية المنشورة عبر تلك الوسائل، والمنصات، ومواقع الشبكات الاجتماعية، ومن ثم تحليلها وتقييمها والتحقق من دقة البيانات والمعلومات الواردة فيها، والرجوع إلى مصادرها للتأكد من صحتها ومصداقيتها، كما أنّها تُبين للفرد كيف يؤثر الإعلام في حياته اليومية بطرق مباشرة أو غير مباشرة وتطور مهارات استخدامه للأدوات والتطبيقات المتوفرة عبر شبكة الإنترنت، والتي يمكن عدها بأنّها أدوات تساعد المستخدم في تحليل المحتوى الذي يتعرض إليه، وهو أمر يزيد من فرصة التحقق من الأخبار والصور والمقاطع المرئية التي يتعرض إليها الفرد أو يشاهدها.

ويتبلور دور التربية الإعلامية الرقمية بشكل أكثر وضوحًا في محاربة الأخبار الكاذبة والشائعات وكشف المعلومات الخاطئة، من دورها في تنمية وتعزيز قدرات ومهارات التفكير الناقد لدى الأفراد والمستخدمين، فالتفكير بطريقة ناقدة يُعد عنصرًا مهمًا من عناصر التعامل بوعي ووضوح مع وسائل ومنصات الإعلام، وتحديد ما هو سلبي وإيجابي من رسائل تُنشر وتُبث عبرها، وتمكينهم أيضًا التمييز بين الحقائق وبين الآراء، وهو عامل آخر يسهل علينا كمستخدمين من كشف المعلومات الكاذبة والسعي لإيقاف انتشارها ووصولها إلى أعداد أكبر من الجمهور.

في عام 1948م وضع العالم هارولد لاسويل نموذجًا وصفَ فيه العملية الاتصالية بمجموعة من الأسئلة: من؟ (المرسل)، يقول ماذا؟ (الرسالة/المضمون)، بأي طريقة؟ (الوسيلة/الوسيط)، إلى من؟ (المتلقي/المستخدم)، بأي تأثير؟ (رد الفعل/التغذية المرتدة)، وهذا النموذج يجسد دور التربية الإعلامية الرقمية في قدرتها على تحليل وتقييم الأخبار والمضامين وكشف الخاطئ منها، والوقوف على غايات وأهداف الجهات التي تروج للأكاذيب، فعلى سبيل المثال سؤال (يقول ماذا؟)، نجد أنّهُ يبحث بعمق في مضمون الرسالة ويحاول تحديد ما إذا كانت خبرًا أم رأيًا أم حقائق، ويكشف ما تحمل من قيم واتجاهات وأفكار.

إنَّ حاجتنا للتربية الإعلامية الرقمية تنبع من دورها وأهميتها، وهي ليست لمن يستخدم ويتعرض لوسائل الإعلام فقط، بل هي حاجة ماسة للصحفيين والعاملين في مؤسسات الإعلام أيًا كان نوعها، لأنَّ المؤسسة الإعلامية التي تلتزم بمبادئ ومعايير مهنة الصحافة النبيلة لا تسمح بنشر الأكاذيب، ولا تسلط الضوء على قضايا غير نافعة توظفها بطريقة دعائية تكسب فيها أرباح مادية أو تكسب رضا جهة سياسية معينة، لذلك فهي دعوة لمؤسسات الإعلام لتدريب وإعداد ملاكاتها والعاملين فيها وتزويدهم بالمهارات التي تقدمها التربية الإعلامية الرقمية، وإدخالها في غرف الأخبار، واستحداث أقسام متخصصة في البحث والتقصي والتحقق من صحة البيانات والمعلومات، حتى لا تنشر الوسيلة أي خبر دون أن يتم تقييمه والتأكد من مصداقيته على مستويات مختلفة.
———————————————————————————————————————
المراجع:
1- Kerry Gallagher and Larry Magid. Media Literacy and Fake News. ConnectSafely. available at: http://bit.ly/2Vkz1An.
2- Claire Wardle. Fake news: It’s complicated. First Draft. available at: http://bit.ly/2AaeFlf.
3- Julie Posetti and Alice Matthews. a Short Guide to the History of Fake News and Disinformation. International Center for Journalists. available at: http://bit.ly/2A94JIO.
4- Lasswell’s Communication Model. Businesstopia. available at: http://bit.ly/2U54C8J.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.