شعار قسم مدونات

هذه هي تجربتي مع هاتفي الغبي!

BLOGS هاتف قديم

لقد أصبح ممكنا بعد التحديث الأخير لهواتف الأندرويد استعمال خدمة الصحة الرقمية (digital well-being) والتي تمكنك من تحليل الوقت التي تقضيه على الهاتف وعدد مرات التشغيل وتقنين عمل التطبيقات، وهواتف أيفون (IOs 12) هي الأخرى أصبحت تدعم هذه الخاصية، فاكتشفت أني أقضي أكثر من ثلاث ساعات على الهاتف يوميا، وأنا الذي كثيرا ما أتذمر من ضيق الوقت، وصادف الأمر تكرر ألم في عنقي من وضعية استعمال الهاتف غير الصحية. فقررت أن أشتري هاتفا غير ذكي، يصلح للاتصال وإرسال الرسائل. كان الأمر مفاجئا لي أولا، لأني منذ الطفولة مغرم بجديد التقنية وأحرص على متابعتها. وهذه خلاصة تجربتي بعد ثلاثة أسابيع من التجربة:

مشاكل تقنية

في البداية صادفت الكثير من المشاكل التقنية، كنقل سجل الأرقام، والإعدادات، وكل تلك الارتباطات مع التكنولوجيا والتي وجب أن أجد لها حلا ما. فأجريت مفاوضات مع نفسي، فقمت باصلاح حاسوبي الذي سيضطلع بالكثير من المهام التي كنت انجزها على هاتفي، فيبقى الحاسوب أرحم بكثير من الهاتف، إذ يصعب نقله حتى لو كان محمولا و بطاريته لا تدوم طويلا، وفي أحسن الأحوال يصبح الحاسوب المحمول حاسبا مكتبيا بالبيت تشغله في نهاية كل يوم ولا تحركه إلا نادرا.

الملل
الهاتف غير الذكي صغير، لا يزعجك، فالكثيرون لا يحبدون الإتصال بك مباشرة عوض الرسائل، في الغالب بطاريته تدوم أياما تنسى معها أنه يحتاج الشحن

الملل، أهم شيء قابلته وصادقته في هذه المدة، فحمل هاتف ذكي مرتبط بالأنترنت كفيل بتسليتك(ي) وشغل أي وقت مستقطع، ما بين انتظار خدمة أو سفر، وكلما فتحته تنتقل من محادثة إلى أخرى ومن موضوع إلى آخر في وسط وسائل التواصل الاجتماعي التي تنتشر فيها الإشاعات والتجاذبات السياسية والطائفية. والجميل أني تذكرت أيام الطفولة ومكتبة المدرسة، حيث كنت ألتهم الكتب بسبب الملل المزمن، أقرأ دون مقاطعة، فعدت إلى كل كتاب أو مقال شغلني الهاتف عن مطالعته.

السفر

في السفر، يكون للهاتف الذكي دور مثالي، خصوصا مع أني اصبحت مضطرا لسفريات طويلة في الأسابيع الأخيرة، أقضي عشرات الساعات في القطار دون هاتف ذكي. فصرت أقضي كل تلك الساعات بين القراءة أو التحدث مع الناس. وكم ضيعتنا الهواتف عن التواصل المباشر مع بعضنا البعض وتأمل أحوالنا. فقد إلتقت شبابا من سلك الثانوي كلهم حيوية ونشاط، فتحدثنا عن السينما وأحوال البلد، فتعلمت من آرائهم واختلافاتهم. وتعرفت على الجهة الشرقية من المغرب وما تتميز به بعد مقابلة شابين من النطقة. واستمتعت بسماع حديث أحد الزوجين اللذان كانا يتفاخران أمام الركاب بالملايين التي سينفقانها في تجهيز غرفة ابنتيهما، وهما لم يدفعا تذكرة القطار، وهربا جريا بعد أول ظهور للمراقب.

استعماله كأداة

في كل هذه المدة التي تجاوزت ثلاثة أسابيع كنت أحمل هاتفي الذكي معي في الحقيبة دون استعماله، لكي اتدرب على هذه العادة الجديدة، فالإدمان كالحب لا ينفع معه البعد. وأيضا لحاجتي الملحة لخدمة الخرائط وبعض الأدوات الأخرى.

فوائد الهاتف الغبي

الهاتف غير الذكي صغير، لا يزعجك، فالكثيرون لا يحبدون الإتصال بك مباشرة عوض الرسائل، في الغالب بطاريته تدوم أياما تنسى معها أنه يحتاج الشحن، وشاشته صغيرة جدا بالكاد تصلح لكتابة رسالة نصية جد قصيرة. ويمكنك سماع الراديو لزيادة حالة الملل الصحية. وبالإضافة أنه رخيص فتبدو للناس أنك فقير لا تملك المال لتشتري هاتف ذكي، والفقير يرى الناس بوضوح أكبر، إذ يحتقره المتعجرفون ويتودد إليه الطيبون.

وفي الختام، أحسست أني أكثر تركيزا مما كنت، أتحدث مع الغرباء دون أي تردد و كلما سمحت الفرصة بذلك. ولا أتابع الأخبار ساعة بساعة، أقاوم تلك الرغبة في معرفة ما يقع وما يقال أول بأول، فالأمر غير مستعجل، بل أترك الأحداث تختمر وتتضح مع كل مساء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.