شعار قسم مدونات

بروباغاندا الإعلام.. كيف تحافظ على عقلك؟

blogs - الإعلام

أمام شاشتنا الصغيرة تجتمع كل العائلة، نشاهد بتركيز كل ما يُقال ف أخبار القنوات المغربية والعربية وغيرها، طالما كنا نجتمع في بيت المعيشة حيث نأكل ونشاهد التلفاز معا.

 

الكل يتابع حيث قال المذيع أنه ساء الوضع في مصر بعد تولي الرئيس مرسي الحكم، واتهام جماعة الإخوان بأعمال إرهابية وتدهور الوضع من جديد في مصر.. لقد كان مرسي الشماعة التي علق عليها الاعلام كل الخيبات، وجماعة الاخوان تذكر كمصدر رعب لإخافة الناس وحثهم على اندلاع ثورة جديدة ضد سياسة الدين. فقد لعب الإعلام دور "الساحر" في فترة ما بعد ثورة 25 يناير وحتى انقلاب 3 يوليو، ونجح في قلب ظهر المجن لقوى الثورة المدنية والإسلامية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين.

 

فقد رأيت أمام عيناي دور الإعلام في التأثير على الرأي العام، فقد تابعنا الثورات التي قامت بها الدول العربية من تونس وليبيا ومصر وسوريا… فقد كان الربيع العربي أو الحلم العربي الذي حلمناه على أمل تغيير الأنظمة الديكتاتورية الحاكمة ونشوء نظام جديد يحاكي الديموقراطية الغربية، لكن للأسف أفقنا على كابوس أضحى يلازم البلدان العربية كلها من دمار وتدهور أسوء من الذي كان.

 

تابِعْ الإعلام وإقرأ الصحف لكن اصطحب عقلك معك وشغله لربط الأحداث وعدم الإنسياق وراء أي خبر جاء إليك، احم نفسك من شيطان الوهم فهو شيطان وسيم

طالما حلمت بالعمل في مجال الإعلام، ودائماً ما كان يستهويني المجال وبريقه، أراه مزيجاً من المخاطرة والشجاعة والإستمتاع، سلطة رابعة لها وزنها في المجتمع كأداة لنشر الحقيقة وتعرية الواقع. لكن للأسف الإعلام بعيدٌ كل البعد عما أصبح الحال عليه، حيث سيطرت عليه البروباغندا التي أصبحت جزء لا يتجزأ في الوسط الذي نعيش فيه، من صناعة وتلاعب بالرأي العام والتضليل والتأثير في الاوعي، فهي تنشأ في أوساطٍ ديمقراطية، وتتخلل كل الوسائل والتي أهمها الإعلام.

  

تحدث "إدوارد برنايز" في كتابه "البروباغندا" أن البروباغندا الناجحة تكون مبنية على فهم دقيق للرأي العام وهذا لا يكون إلا في وسط يتمتع أصحابه بالديمقراطية الوهمية، لتستطيع أن تصل إلى رأيهم الحقيقي وتغييره. وأيضا فقد وصفها "نعوم تشومسكي"بأنها تنشر المعلومات بطريقة موجهة أحادية المنظور، توجه مجموعة مركزة من الرسائل بهدف التأثير على آراء وسلوك أكبر عدد من الأشخاص، وأن أمريكا أكبر مصدر لهذه المعلوات الموجهة، وأن الإعلام الأمريكي بدل التركيز على المشاكل الإجتماعية والسياسية يسلط الضوء على الأعداء ونظرية المؤامرات.

 

الحقيقة والوهم بينهما شعرة لا تكاد تراها، أن ترى وتصدق كل ما يُقال على شاشة التلفاز من أخبار وتنصاع وراء كلام شخص أنيق وسيم مصفف الشعر يجعلك تحت السيطرة وتصبح منساقا وراء أفكار تحفر طريقها إليك لتكون حقيقة تؤمن وتجاهر بها. هذا هو هدف الإعلام أن تتلقى كل مايُرادُ توصيله إليك وأنت جالس على أريكتك، فتتكون لديك أفكار ومعلومات ليست في الواقع سوى ما يود أصحاب الشأن أن يصل إليك. كيف تكتشف أنك داخل بروباغندا؟ يقول أحمد خالد مصطفى أنك عندما تفتح التلفاز وتجد فجأةً برز خبرٌ محموم، يُقال ويُعاد مرارا وتكرارا، فتكرار سماعك للخبر من أكثر من شخص، يجعل عقلك الباطن يعتبره حقيقة، فهذه بروباغندا مدبرة ومقرر إطلاقها في الوقت الذي أُطلقت فيه.

 

فمن الأحداث التي لا تنساها ذاكرة العالم، أحداث ضربات الحادي عشر من سبتمبر، يوم تفجير البرج الشمالي والجنوبي من مركز التجارة العالمي في نيويورك، ضربات صُوِرت للعالم على أنها إرهاب أطاح بهيبة أمريكا، فتلك الأيام أُطلقت بروباغندا مفادها أن تنظيم القاعدة بزعامة بن لادن هو من يقف وراء هذه العمليات كلها وبتعاون مع صدام! فصدق العالم بأسره، وكانت إعلان للحرب ضد هذين البلدين للقضاء على الإرهاب، فدُمِرت أفغانستان وأيضا العراق.. فقد اتُهمت العراق بذريعتين، الأولى امتلاك صدام أسلحة دمار شامل، والثانية الرغبة في تحرير الشعب العراقي بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، وأفغانسان اتُهمت بدعم الإرهاب.. لكن الحقيقة كانت أن العراق فيها من البترول ما أثار شهية أمريكا، وأفغانستان كان بها 90٪ من أفيون العالم.

 

وقد يخص الإعلام أيضا جانبا كبيرا لأهداف حكومية تسوقها للناس، ولا يخفى أنه كل حكومة تتحكم في إعلام دولتها وهذا الأخير خاضع لها ببرامجه وصحفه وأفكاره، فلا نرى للأسف إعلامنا يتمتع بمعارضة شريفة، أو قلم حر طليق كما ينبغي له أن يكون ليحافظ على شرف المهنة. من جهة أخرى فالدولة والبنوك والإعلام مرتبطين ببعضهم البعض، فالبنوك تتحكم في الدولة التي تتحكم بدورها بإعلامها، فهو نظام على شكل هرمي مترابط القوي يحكم الضعيف، لو حدث مثلا أن تمرد الإعلام على الدولة سيجعلها ضعيفة وسيسقط الأنظمة الحاكمة ويغير قرارات مصيرية ليست في صالح أصحاب المال والنفوذ.

 

وأخيراً، تابِعْ الإعلام وإقرأ الصحف لكن اصطحب عقلك معك وشغله لربط الأحداث وعدم الإنسياق وراء أي خبر جاء إليك، احم نفسك من شيطان الوهم فهو شيطان وسيم، وسلاحك للتغلب عليه هو العقل والبحث عن الحقيقة فهو خير سلاح ضد أي بروباغندا قد تواجهها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.