شعار قسم مدونات

دعوات لتغيير النظام السياسي في تونس.. لماذا الآن؟

blogs السبسي و الغنوشي

برزت في الآونة الأخيرة، عديد الأصوات من مختلف الأحزاب والمشارب السياسية، داعية إلى تغيير النظام السياسي التونسي الذي أقره دستور 27 جانفي 2014 بإجماع واسع من حوله وبنسبة تصويت فاقت الـ 85 بالمئة من أصوات نواب المجلس الوطني التأسيسي.

هذا الدستور الذي كان ثمرة من ثمار ثورة 17 ديسمبر-14 جانفي التي هتفت بإسقاط نظام سلطوي يمركز السلط والصلاحيات بيد جنرال يرتدي ثوبا مدنيا، وصل إلى السلطة بانقلاب طبي ناعم وجعل كل التونسيين يحلمون لأيام بوطن يقبل الجميع تحت قبته. فكان من الطبيعي جدا أن يعمل العقل المؤسس على تفكيك النظام التسلطي الذي كان قائما، وذلك من خلال تفريق الصلاحيات التي كان يختزلها رئيس الدولة، وتوزيع الثقل بين القصبة، بارد ووقرطاج مع تفاوت لصالح رئاسة الحكومة.

هذا الدستور لم يكن فقط ردة فعل على الأوضاع التي كانت قائمة قبل الثورة، بل كان أيضا نتاجا لحاجة ملحة لنص دستوري يتلائم مع روح العصر خاصة وأن دستور 59 لم يشهد تحديثات تذكر باستثناء تلك التي عززت قبضة الدكتاتور وأبدت حكمه. في المحصلة، أقر دستور 2014 نظام برلمانيا معدلا كضمانة لعدم عودة الدكتاتورية وبهدف توزيع السلطة. لكن المسار الاقتصادي والاجتماعي من سنة 2014 وبعد فوز نداء تونس بالانتخابات، والحكومات التوافقية المتتالية مع الحزب الثاني، حركة النهضة تعثر بل وتفاقمت المشاكل وتراكمت.

ليوم وفي خضم أزمة سياسية حادة تتمظهر اساسا في تنازع حاد بين الشاهد و "والده الروحي السياسي" السبسي، يرى البعض أن هذه الأزمة مردها الجوهري هو النظام السياسي الذي شتت السلطة حسب تعبيرهم

كانت نقطة الانطلاق تعيين الحبيب الصيد رئيسا للحكومة، حيث اقترح الرئيس السبسي الحبيب الصيد – وهو الرجل الغير منتم لحركة نداء تونس، الحزب الأول-لرئاسة الحكومة مما سبب تململا في قيادة النداء وقادحا لازمة عميقة داخله انتهت بانقسامه.  ما قام به الرئيس السبسي كان الخطوة الأولى في مسار كامل من التحايل على النص الدستوري بمسميات عديدة، ليحاول استعادة جزء من الصلاحيات التي كانت ممنوحة للرئيس في دستور 2014. وواصل السبسي هذا المسار حين عجل بسقوط الحبيب الصيد وقدوم يوسف الشاهد مكانه، معطلا الاليات الدستورية الطبيعية التي تمنح للبرلمان حصريا صلاحية تحديد مصير الحكومة ورئيسها.  وكان ذلك من خلال مسار سمي ب "حوار قرطاج" وكلل بوثيقة قرطاج الشهيرة.

 

في نفس الوقت، تعطل مسار استكمال المؤسسات الدستورية التي تمثل دعامة أساسية للنظام السياسي الجديد بسبب الأزمة التي قسمت نداء تونس وخروج أمينه العام محسن مرزوق وتأسيسه لجسم جديد "مشروع تونس" والتي شتت كتلة النداء البرلمانية مما جعل التصويت على أسماء تحظى بثقة الجميع لعضوية الهيئات الدستورية أمرا مستحيلا.  يجب أن ننوه هنا أن الحوار الوطني الذي أنهى أزمة 2013 إبان الاغتيالات السياسية قد عطل -سهوا أو عمدا – عملية استكمال المؤسسات الدستورية التي كان من المبرمج أن تكون من قبل المجلس الوطني التأسيسي.  ورحلها إلى ما بعد الانتخابات مما جعل هذه العملية لا تحترم بالضرورة الآجال الدستورية لهذه العملية.

واليوم وفي خضم أزمة سياسية حادة تتمظهر أساسا في تنازع حاد بين الشاهد و "والده الروحي السياسي" السبسي، يرى البعض أن هذه الأزمة مردها الجوهري هو النظام السياسي الذي شتت السلطة حسب تعبيرهم.   ويعتبر أصحاب هذا الرأي أن هذا النظام غير قابل للتطبيق في تونس بل ه وسبب اساسي للازمات التي تشهدها البلاد.  والحال أن النظام السياسي التونسي لم يولد بعد، إذ أن جل مؤسساته معطلة ولم يتم تركيزها بعد ونخص بالذكر المحكمة الدستورية التي ستكون السلطة العليا التي تسهر على حسن تطبيق الدستور، وعديد الهيئات والمؤسسات الأخرى.

 

مما يجعل تقييم النظام السياسي عملية مستحيلة إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نقيم جهدا لم يكتمل بعد. والداعون لتعديل النظام السياسي يعون هذا جيدا لكن مراميهم غير التي يعلنونها، إذ أن الهدف الأول والأساسي الذي يستبطنونها وخاصة معسكر السبسي هو نسف كل ما له علاقة بالثورة وخاصة حقبة 2011 -2014 إذ أن السبسي ورغم كونه ترأس الحكومة سنة 2011 يصر أن يعتبر أن الانتقال الديمقراطي انطلق من سنة 2014 وذلك في مجمل حواراته الصحفية والاعلامية. مما يجعل الدستور والنظام السياسي المترتب عنه هدفا هاما في مخطط السبسي. اذ أن ضرب الدستور سيكون هزيمة رمزية كبرى للثورة. خاصة في سنة انتخابية يشحذ لها الجميع سيوفهم ويتجهزون بالعتاد والعدة وحتى الاسلحة المحرمة سياسيا لتحقيق نقاط.

 
الهدف الثاني الغير معلن لهذه الحملة هو تمهيد الأوضاع للعودة إلى ما قبل 2011 بوجوه جديدة وجهد مسرحي، أي عودة الاستبداد لكن بقناع حديث ومنمق حيث تتمركز السلط في قرطاج ويتمركز النفوذ هناك ويعود الحكم حكرا على دائرة نفوذ معينة يتداخل فيها الجهوي بالإقليمي والمالي بالإعلامي. لابد إذا من التصدي لهكذا حملات، تهدف في ظاهرها لحلحلة الأوضاع المتأزمة، لكنها تستبطن شرا لتونس وانتقالها الديمقراطي، ولكن هذا النظام السياسي ليس حتما الأمثل أو الأفضل وقد تكون لنا عودة بعد عشرية من الآن ووقفة لتقييم جدي وصادق ثم يجوز أن نتحدث عن التعديل إن اقتضى الأمر ذلك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.