شعار قسم مدونات

مهزلة سياسية.. كيف تطلبون من "ثورات الشعوب" أن تتحرك بترخيص من الدولة؟

blogs حراك الريف

كيف يعقل أنه كلما مرت امام أذهاننا كلمة احتجاج، تجسدت لنا صور في مخيلتنا عن الضرب والعنف والقمع، لماذا تعودنا مشاهدة احتجاجات دموية يغلب عليها طابع العنف والقمع؟ هل لأن الدولة تثور في وجه المحتجين لأي مطلب كان؟ أم أن المحتجين لا يحترمون قانون الاحتجاج أي في سلمية وديموقراطية؟ 

نحن نعلم أن الحركات الاحتجاجية تعرف ضغوطات من قبل الدولة، إذ لا يمكن لهذه الحركات الاحتجاجية التحرك والعمل إلا بترخيص من الدولة وإلا سوف تتعرض هذه الحركات إلى نوع من التعنيف سواء المعنوي أو الجسدي، لاكن في نفس الوقت حتى وإن طالبت الحركات الاحتجاجية بترخيص من الدولة، فهذه الأخيرة تعارض ولا تمنح لهم الترخيص لذلك، إذن أين هو الحق في الاحتجاج الذي نص عليه الدستور المغربي 2011 في الفصل 29 والذي جاء فيه "حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات والانتماء النقابي والسياسي مضمونة، ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات، حق الإضراب مضمون، ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته".

 

لقد شهد هذا الحراك بشاعة في السياسات التي نهجتها الدولة في حقهم، فطريقة تعامل مؤسسات المخزن مع هذا الحراك أفضت إلى نوع من الإقصاء والتهميش والترهيب وكذلك إلى اختطافات، فقد كان المخزن يقتحم المنازل بدون سند قانوني ويقوم بالاختطاف

فإذا كانت الحركات الاحتجاجية سوف تتأطر تحت مبدأ السلمية والديمقراطية، فيجب على الدولة المساهمة هي بدورها في إنجاح هذا الاحتجاج، كما جاء في الفصل 19 من ظهير 15 نوفمبر 1958 الذي ينص على الإجراءات الواجب اتخاذها من طرف السلطات العمومية كالإعلان عن وصول هذه الحركات الاحتجاجية لعين المكان، حاملة شارات وظيفية، مستعملة مكبر الصوت، مع توجيه الأمر لفظ التجمهر والانصراف. لكن مع الأسف الشديد فالواقع شيء آخر، فالدولة تستعمل أساليبها وطرقها الغير ديموقراطية والغير وطنية بشكل دائم وفي أي احتجاج أو مسيرة، والسياسية التي تنهجها هي سياسية لا وطنية لا شعبية لا ديموقراطية، وما دام أن الدولة قائمة بأجهزتها، فهي أداة قمع طبقي فقط. ولن تكون لصالح الاحتجاجات والجماهير الشعبية كافة، وأن مقاربتها هي مقاربة قمعية وليست أمنية. 

وخير مثال يمكن أن يؤكد ما جاء به على لساننا هو حراك الريف والذي كان العالم بأسره شاهد على المعاملات والممارسات التي عانى منها شباب تلك المنطقة من طرف الدولة ومؤسسات المخزن، فالنظام المخزني تعامل بكل بشاعة وبكل كراهية تجاه الريفيين، وقام بتدخلات عنيفة وسياسات قمعية رهيبة والتي أسفرت عن اعتقال مجموعة من المناضلين الشباب وكذلك إصابة آخرين بإصابات بليغة على إثر العنف الشديد الذي تعرضوا له، مع العلم أنهم كانوا يطالبون بكل سلمية وبكل ديموقراطية عن حقوقهم المشروعة، كالحق في التعليم من خلال المطالبة ببناء جامعة يدرس بها أبناء المنطقة لعدم توفرها هناك، والحق في التمريض من خلال بناء مستشفى لمعالجة السرطان نظرا لأن هذا الأخير متفشي في منطقة الريف بشكل كبير.

لقد شهد هذا الحراك بشاعة في السياسات التي نهجتها الدولة في حقهم، فطريقة تعامل مؤسسات المخزن مع هذا الحراك أفضت إلى نوع من الإقصاء والتهميش والترهيب وكذلك إلى اختطافات، فقد كان المخزن يقتحم المنازل بدون سند قانوني ويقوم بالاختطاف. نعم فاقتحام المنازل بدون رخص واعتقال الأشخاص يعتبر اختطافا وليس اعتقالا، ولطالما حاول المحتجين أن يفتحوا باب الحوار والنقاش مع الجهات المسؤولة والمعنية من أجل الحد من هذه السياسات التي لا تعتبر وطنية ولا ديموقراطية ولا تحترم معايير حقوق الإنسان وبالخصوص حق المطالبة بالحقوق والمطالب بواسطة الاحتجاج، إلا أن الدولة كانت لا تعير اهتماما ولا تكترث للأمر، وتطبق سياسة "الزرواطة" حينما يخرجون إلى الشارع للاحتجاج مما جعلهم في صراع دائم معها. من هنا يمكن أن نفتح باب آخر لموضوع آخر يجب الكتابة فيه: إلى أي مدى سوف تستمر هذه الصراعات بين الدولة والمحتجين؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.