شعار قسم مدونات

اللامبالاة.. هل هي المنهج الأسلم لحياة سعيدة؟!

blogs سعادة

لقد اعتدت في مقالاتي السابقة أن أتحدث بلغة فلسفية جافة وأن أقلّب الأفكار بمنهجية عقلية صرفة، وقد يكون في ذلك إرضاء لشغفي التساؤلي أو محاولة لمعالجة القضايا الإنسانية بطريقة المنهج العلمي الذي لا يؤمن إلا بالعقل، لكنني في مقالي هذا سوف أحاول أن أسلك منحى آخر أقرب للإنسان، هذا الكائن المركّب الذي لا يمكن أن يُختزل بالعقل فقط، وفي الحديث عن حالة شعورية كالسعادة لا بد للكلام أن يكون أقرب للعاطفة منه للمنطق، فالتجربة الشعورية غير قابلة للقياس أو الاستنباط وحتى يتلقاها الإنسان بكامل أبعادها لا بد أن تُعاش وترخي بكامل ظلالها عليه، عندها فقط يؤمن بها دونما حاجة لبرهان أو دليل.

فهل يمكن للإنسان أن يصل لمرحلة السعادة التامة؟ هل يمكن أن تقيم السعادة في قلبه وأن تبقى عامرة في نفسه على الرغم من أي ضنك في العيش أو فاقة في الحالة أو نازلة بالنفس أو الجسد؟ هل يمكن ألّا تجانبه تلك النشوة التي تبعث على حب الحياة فتضيء أسارير النفس وتبعث في القلب تفاؤلاً وفي البال رضىً وفي الوجة إشراقاً؟ هل يمكن لنا مهما تخاطفتنا شؤون الحياة وتجاذبتنا أصابع الدهر أن نبقى على قلب مطمئن ونفس راضية؟

الحياة مؤقتة قد يكون الحل أن نواجهها بالآمال المؤقتة بلا تفكير مسهب أو إمعان مطنب، فقد يكون في ذلك تسلية للنفس ومعونة لها في تحمل مشاق الحياة وضنك العيش

وكيف لنا أن ندفع عن أنفسنا الحزن؟ ذلك الشعور المقيت الذي ما أن يحل في النفس حتى ينتشر ويستشري بها فيتملكنا انقباض رهيب وتوجس مخيف وقلق وجيف، وقد يشعر الإنسان حياله كأنما قد انطفأ كما قال مرة ديستويفسكي، فلا يجد لذلك دفعاً ولا تسعفة وسيلة ولا تنقذه حيلة، إنه الحزن وكفى ذلك الصوت الذي يئن في داخلنا فيذكرنا في كل لحظة أننا لسنا بخير وأنّ كلمات كالتفاؤل والأمل ليست سوى نغمات صوتيه تطلقها ألسنتنا خالية من المعنى مفرغة من الفحوى غير ممكنة التحقق.

لطالما تساءلت هل الأصل في الإنسان الحزن أم السعادة؟ وهل ثمة أصل؟ أم أنهما كحصانيّ أفلاطون يجرّان عربة الإنسان، يقول آرثر شوبنهاور: "نأتي للحياة وكلنا رغبة في تحصيل السعادة والمتعة، ويتملكنا أمل مجنون في بلوغهما، حتى ينزل علينا القدر بثقله دون إنذار وتأتي التجربة لتعلمنا أن السعادة والمتعة المنشودتان ليستا سوى وهم خالص" ويعرّف شوبنهاور السعادة بشكل أساسي على أنها غياب الألم، أي أنها حالة سلبية نتيجة فقد وليست حالة فاعلة مكتسبة، وفي هذا التعريف بحد ذاته كمية لا يستهان بها من الحزن والخيبة.

قال تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ) وفي تفسير الآية الكريمة قيل في تفسير القرطبي: "في كبد أي في شدة وعناء من مكابدة الدنيا وأصل الكبد الشدة" وفي هذا فصلً للأمر وإنهاء للمسألة فليس بعد قوله جل وعلا قول وليس من حكمه فرار، لكن لا يؤخذ مقالي هذا على أنه دعوة للقنوط واليأس وإنما هو مكاشفة ومصارحة مع الواقع، وأيما شيء إذا ما عُرف أصله أصبح بالإمكان التعامل معه والتحايل عليه والتقية من شرّه، وحيث أن الحياة مؤقتة قد يكون الحل أن نواجهها بالآمال المؤقتة بلا تفكير مسهب أو إمعان مطنب، فقد يكون في ذلك تسلية للنفس ومعونة لها في تحمل مشاق الحياة وضنك العيش، فإنه لايأخذ النفس من تلابيبها ويلقي بها في درك الحزن سوى كثرة التفكير والإطالة في التدقيق والتمحيص عند كل لامّة وإزاء كل حادثة.

أخيراً، يقول محمود درويش: "في اللامبالاة فلسفة، إنها صفة من صفات الأمل"، ربما علينا أن نتدرب على اللامبالاة، فقد يكون المنهج الأسلم تجاه هذه الحياة هو ألّا نأخذها على محمل الجد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.