شعار قسم مدونات

أحبي زوجك لكن كوني كيانا منفصلا عنه

blogs الزواج

إن غاب شعرت بالوحدة، وإن حضر تسمرّت أمامه وتركت كل شيء، إذا اتصل بها ودّت لو تطول المكالمة، وإذا لم يتصل بادرت هي، وكانت هي المبادرة هذه المرة والتي قبلها والتي بعدها، إذا أعجبه شيء فيها أو تصرُّف بدر منها، فذلك الشيء جميل وذلك التصرف جيّد، وإن لم يعجبه فذلك الشيء سيّء، وإن أعجب كل من في الكرة الأرضية، إذا رَضِي شعرت بالسعادة، وإذا لم يرض أظلمت الدنيا في وجهها، كأنّه شمس تدور كواكبها حوله، لا أبد أن يأكل من يديها أفضل ما يُحب، وأن يرى فيها كلّ جميل، وأن يسمع منها أجمل ما قيل، وهي أيضاً لا تستمتع بالتنزه إلا معه، ولا بالبَوح إلا إليه.

 

ماذا عنه هو؟! إنه يملك اهتمامات قد لا تمثل هي سوى جزء بسيط منها، يحب التّنزه معها ولكن ليس دائماً، فله أصدقاء يجد طعم التنزه جميل أيضاً معهم، يستمتع بالجلوس معها ولكنّه سرعان ما يمسك بهاتفه المحمول فينسى وجودها قربه، سيذكرها في غيابها، لكنه سيذكر أيضاً خسارة منتخبه في مباراة البارحة وسيذكر المقلب الذي نفذه مع أصدقاءه لواحد منهم، سيذكر أيضاً آخر الأخبار بتعيين وزير اقتصاد جديد فيه أمل لتحسين البلاد، فينساها في خضم كل تلك الأفكار التي في دماغه، والتي لا تشكل هي سوى جزء منها، هي التي تعطيه جلّ دماغها.

 

ابتعدي عنه ليقترب منك، انشغلي عنه ليلتهي بك، انسيه ليذكرك، لا تبحثي عنه دعيه يبحث عنك، لا تشتاقي اليه دعيه هو الذي يشتاق، لا تسألي عنه دعيه هو يسأل

تنتظر قرعاً على الباب ليعود وتستمتع بالجلوس معه بينما هو مستمتع بالحديث مع جاره الذي قابله عند خروجه من السيارة، فأعجبه الحديث معه، ولم يجد في قلبه شوق كبير يدفعه للإسراع إلى المنزل لملاقاة تلك المسكينة التي تلتفت عينها إلى الساعة عشر مرات في الثانية ليحين موعد حضوره، لكي تختارَ عطراً تشمّه بأنفه هو وليس من أنفها هي، لتتأكد من أنّه سيعجبه، فستانها أيضاً تختاره حسب لونه المفضل، تتمنى لو تستطيع إطالة شعرها بعد أن أخبرها أنّه يفضل الشعر الطويل، وتجرّب كل شهر لون عدسات جديد لتنال إعجابه وحبّه واهتمامه، لم تعلم أنّها كيان مستقل عنه، لم تدرِ بأنّ هناك الكثير من وسائل السعادة غير مرتبطة به، رُبّ سهرة مع كتاب أجمل من عشر سهرات معه، رُبّ جلسة مع صديقات في مقهى أو بيت إحداهن ترفّه عن قلبها أضعاف ما يفعل هو، ولم تدري أيضا بأنّ الاستماع إلى محاضرة أو مشاهدة فلم أكثر متعة من سماع صوته أو الحديث معه.

 

دعكِ منه يا امرأة، حين تلبسين فستانك اختاري اللون الذي يعجبك، ولا بأس إن اخترت في إحدى المرات تنقية فستان على ذوقه، حين تطبخين لا بأس إن طبخت يوم الطبخة التي تعجبك أنتِ ولا تعجبه هو، إذا مَدَحَت إحدى صديقاتك لون شعرك الجديد فاعلمي أن ذلك اللون جميل وإن لم يعجبه هو، خططي لمشروع، ضعي أمامك أهداف، احضري دورات ومؤتمرات وحفلات، ساوميه إن حاول منعك عن شيء تحاولي أن تحققيه، ضعي عشرة أهداف واحد منها فقط أن تسعديه، والبقية مقصدها أن تسعدك أنتِ، أن تنميكِ، أن تُزهرك، طوري مهاراتك، مارسي هواياتك، أظهري إبداعاتك.

 

دعي أفكارك المتزاحمة تطرده من عقلك لوهلة، فهو ليس شمس تدورين حوله، حين يأتي استقبليه بحفاوة وابتسمي له واجلسي معه قليلاً، ثم انشغلي عنه قبل أن ينشغل عنك، إذا رنّ الهاتف الآخر وانتِ تحدثيه بالهاتف المحمول أخبريه أنّ هناك من يريد محادثتك من صديقاتك أو أهلك، انسحبي منه لعلاقاتك الأخرى، فأنتِ لكِ أهل وأقارب وصديقات وجارات وأبناء وهو لا يمثل سوى إحدى تلك العلاقات.

 

ابتعدي عنه ليقترب منك، انشغلي عنه ليلتهي بك، انسيه ليذكرك، لا تبحثي عنه دعيه يبحث عنك، لا تشتاقي اليه دعيه هو الذي يشتاق، لا تسألي عنه دعيه هو يسأل، وإن لم يقترب ولم يذكرك ولم يبحث عنكِ ولم يشتاق إليك، فلا مشكلة فأنتِ لديك من أهلك وصديقاتك من يهتم بك، ولكِ من الاهتمامات ما يلهيكِ عنه.

 

لا عيب في أن تطلبي منه الاهتمام ولكن لا تحوّلي ذلك الاهتمام إلى أكسجين تعيشين به، إن وُجِد حييتِ وإن قلّ اختنقت، بل اجعليه قطعة شوكولاته إن وجدت استمتعتِ بها وإن غابت استغنيتي عنها، أحبيه لكن لا تعبديه، أحبيه لكن كوني كائناً مستقلاً عنه، أحبيه هوناً ما، احترميه، قدريه، سانديه، استمعي اليه، لكن لا تنصهري فيه، تقبليه وليتقبلك، لا تغيريه ولا تتغيري من أجله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.