شعار قسم مدونات

صناعة الفاسدين.. الوجه الاقتصادي لنظام الأسد

blog- الأسد

إن منظومة الفساد الأسدية هي سلسلة متكاملة، تصدر القوانين المساعدة لها، وتسخر أدوات الدولة لخدمتها، مستفيدة من المناصب والكراسي، قد تضحي بأحد رموزها لتنظيف سمعتها من قذارة ذاع صيتها، لتغتسل منها وتكمل مسيرتها، تبدأ بأعلى المستويات والرتب لتنتهي بأصغرها، وتختار عناصرها بدقة متناهية من ترشيحات تصدر عن أذرع الكيان الموازي لمؤسسات الدولة من حزب البعث وأجهزة المخابرات لتجد نفسك أمام شخصية فاسدة ومفسدة، يهابها الشريف ويتذلل لها ضعاف النفوس.

   

فقد رحل الأسد الأب عن سوريا بعد أن حولها لكتلة من الفساد بشهادة الإبن الذي بدأ مسيرته بشعارات رنانة، أشهرها محاربة الفساد إضافة للإصلاح والشفافية، لتكون كلمة الفساد الأكثر انتشارا في قاموس النظام السوري ليس بالمحاربة بل بالانتشار والاستخدام، حيث أصدرت قبل أيام منظمة الشفافية العالمية تقريرها السنوي الخاص بمؤشر مدركات الفساد في العالم عن عام 2018، وحلت سوريا وحكومة نظام الأسد في المرتية 178 من أصل 180 دولة، مسجلة الدولة الأكثر فسادا في العالم بعد الصومال، ومشتركة بنفس الترتيب مع اليمن، فليس من العجب أن يكون الفساد رائدا في أروقة حكومة الأسد، ولا غرابة أن يكون الموظف الحكومي مرتشيا.

  

تتدحرج كرة الفساد لتكبر وتخرج الضحية من المؤسسة العسكرية لتصل للحياة العملية بعد خبرة اكتسبتها من المؤسستين التعليمة والعسكرية، ليبدأ التطبيق العملي في قطاعات الدولة

فقد أخرج النظام العديد من المسرحيات التي قدم نفسه بها كمحارب للفساد على مستوى صغار الكسبة، ونسي أن الفساد مستشريا بمفاصل الحياة اليومية للمجتمع السوري، في ظل نظام حمى الفاسدين والمفسدين من رأس الهرم لقاعدته، وتعدى ذلك إلى تأسيس جيل من الشباب اعتمد على تقديم الرشوة لنيل ما يريد، ليكون الشاب ضحية ضمن سلسلة ومنظومة فساد متكاملة، مستخدمة أدوات الدولة ومؤسساتها لصالحها، ومن أخطرها منظومة الفساد التعليمية والتي تبدأ مع دخول الضحية "الإنسان" للمؤسسة التعليمية حيث تبدأ من مرحلة التعليم الأساسي والثانوي كقبول المدرس للهدايا من أجل تسريب ما يخبئ لطلابه في الاختبارات، لتنتقل الضحية للمرحلة الجامعية.

 

فلا عجب أن تجد في إحدى كليات جامعة دمشق أستاذا جامعيا مرتشيا عن طريق موظف صغير أو قريب له أو صديق ذو علاقات أو طالب مقرب منه، وكل ذلك يسمى "بالمفتاح" من تسريب لأسئلة الاختبارات قبل أو أثناء الاختبار أو إعادة لتصحيح ورقة الاختبار بعد واسطة المفتاح المرفقة بالرشوة المناسبة نقدا أو عينا، وما يزيد الطين بلة أن يطلب الأستاذ الجامعي من هذا المفتاح أن يحرك نفسه ليجلب له المزيد من ضحايا الفساد.

 

وما أن تتخرج ضحية الفساد من الجامعة للتتوجه للمؤسسة العسكرية وخدمة العلم، والتي هي في جوهرِها خدمة الأسد، هناك حيث المداخل الكثيرة للسرقة، فيكفي أن تقدم "المعلوم" لأحد الضباط حتى تُفرَز في قطاع الخدمات الطبية مثلا أو أحد القطاعات العسكرية الثانوية، ثم تبدأ الضحية بتخصيص راتبا شهريا (نقدا أو مايعادله من السجائر والهدايا) للضابط حتى تكون بين أحضان العائلة – التفييش – بشكل أسبوعي أو يومي، بالإضافة لما يسرقه الضباط من طعام المجندين البسطاء والمحروقات وغيرها من الموارد الاقتصادية التي هي حق للشعب السوري.

 

تتدحرج كرة الفساد لتكبر وتخرج الضحية من المؤسسة العسكرية لتصل للحياة العملية بعد خبرة اكتسبتها من المؤسستين التعليمة والعسكرية، ليبدأ التطبيق العملي في قطاعات الدولة من تعطيل للأوراق وتأخير في المعاملات وإضاعة للمستندات وخطأ في البيانات ونقص في الطوابع وغيرها من الحجج الواهية، والحل في هذه الحالة هو الهدية المشروطة بالعمل (الأسم الظاهري للرشوة) لننتقل من مرحلة الفساد إلى مرحلة الإفساد، حيث تصبح الضحية أصلا في الفساد ومرشحة للترقية واعتلاء المناصب العليا مع توافر مقومات أخرى جانبية، والجدير بالذكر اعتماد منظومة الأسد على الرشوة المقننة والتي تسرقها من جيوب الموطنين القابعين تحت حكمهم بحكم القانون، تحت مسميات متعددة من رسوم وأتاوات إلزامية، كرفع لرسوم إصدار الجوازات والوكالات وغيرها.

   

إن هذا الفساد، ما هو إلا تسرب في الاقتصاد الوطني ونقص في الناتج المحلي، الذي من المفترض – في دولة تدرك قيمة الإنسان – أن يعود على مواطنيها بالرفاهية، وارتفاع في مستوى دخل الفرد، إضافة لما يخلقه الفساد من سرقة حقوق المواطن البسيط المجتهد الذي بدأ حياته بطالب نشيط ودخل الجامعة بمعدلات مستحقة وتخرج منها بقدر من العلم، وعاش حياته كموظف مهمش دخله لا يكفي مصروفاته، ليغطي عجزه بعمل إضافي أو ديون تطارده حتى في أحلامه، لينافسه هذا الراشي أو ذاك المرتشي، صاحب الفائض المادي والذي ما ينادي غالبا بشعارات رنانة من التنمية الاقتصادية وغيرها.

  

ما تم عرضه ما هو إلا نافذة صغيرة لتسليط الضوء من خلالها على وجه من أوجه الفساد الاقتصادي (الرشوة) وأثره الاجتماعي المتغلغل في نظام الأسد، والذي لم يترك قطاعا إلا وتركه مفتوحا للفاسدين والمفسدين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.