شعار قسم مدونات

هل نتعلم مكارم الأخلاق من الحيوان؟!

blogs ذئب

جاء في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام أحمد والبيهقي وغيرهم من حديث أبي سعيد الخدري والذي مفاده أن ذئب عدا على شاة فطلبه الراعي فانتزعها منه فاحتجّ الذئب مخاطبا الراعي أن هذا رزق ساقه الله إليه، فلما رأى الذئب أثر الصدمة على الراعي زاد قائلا "ألا أخبرك بأعجب من ذلك؟ محمد رسول الله بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق. (الحديث)(…).

قال أهل الحديث أن هذا من دلائل النبوة. أما الشاهد عندنا من ذكره فهو الوقوف على أن الذئب، وهو الحيوان "غير العاقل"، مخلوق موحد ومؤمن بأن الله يرزقه وهو يأخذ بأسباب الاِسترزاق، وهو كذلك موقن برسالة سيد الخلق محمد بن عبد الله النبي الأمي صلى الله عليه وسلم. على العكس من الذئب، نرى كثرة من بني آدم "العاقلين" معرضون عن كتاب الله وعن سنة نبيه وهم بين مكذب ومشكك بدعوى العلم والتجديد والحداثة وفصل الدين عن الدولة وغيرها من ادعاءات لا يريد روادها الإفصاح عن ماهية نفوسهم.

تتميز الذئاب بحس قيادي منقطع النظير، فقائد المجموعة والذي يطلق عليه اصطلاحا "الذئب آلفا" يكون دائما على رأس المجموعة في الصيد والسفر ويكون الفرد الأكثر تعرضا للمخاطر لأنه وببساطة في عالم الذئاب

فهل يا ترانا نتعلم مكارم الأخلاق من الذئب؟! وقد أُعجب عرب البادية، قبل ظهور الإسلام وبعده، بالذئب لِما رأوا من صفاته ومكارم أخلاقه فهو لا يأكل الجيفة ولا يمكن أن يصبح أليفا حتى في الأسر كباقي حيوانات البرية بل يموت كمدا في سجنه رفضا واستعلاء عن العبودية. وعلى النقيض من الذئب، نرى الغالبية العظمى من بني آدم ترضى الخضوع والخنوع والعبودية وربما تطلبها كما نرى ذلك في الدول المتخلفة تخلّفَ العقل والقيم في مجتمعاتنا العربية.

فهل يا ترانا نتعلم معنى العزة والحرية ونطلبها كما هو حال الذئب؟! والذئب لا يتهجن، فقد أبرزت دراسات علمية أن ذَكَر الذئب لا يخون أنثاه وهي لا تخونه فتحفظ الذئاب أصولها وفروعها؛ والذئب من الكائنات الاِستثنائية التي تُولي الأسرة والمجموعة اهتماما بالغا فالذئب يرعى والديه إذا كبُرا في السن وعجزا عن الصيد، فيطعمهما ويسقيهما حتى الوفاة.

حتى قال الأعرابي لأخيه أنا "ذيبك" بمعنى أنا حاميك ومسند ظهرك. وعلى العكس من هذا الاِتجاه، وعند الإنسان، نلاحظ استخفافا متزايدا منذ بدايات القرن العشرين بمفهوم الأسرة التي هي اللبنة الأساسية في بناء المجتمع فضاعت مفاهيم وقيم عليا كمفهوم القوامة عند الرجال ومفهوم الحافظية عند النساء. لنجد أنفسنا أمام قارة عجوز وأمام دول يصل فيها معدل الوحدانيةـ مجموع الناس الذين يفضلون العيش والموت بمفردهم ـ في دولة السويد إلى ما يقارب 40٪ من مجموع عدد سكان البلد!

فهل يا ترانا نتعلم معنى الأسرة والمجتمع كما هو الحال عند الذئب؟! واستنادا إلى دراسات علمية بريطانية، تتميز الذئاب بحس قيادي منقطع النظير، فقائد المجموعة والذي يطلق عليه اصطلاحا "الذئب آلفا" يكون دائما على رأس المجموعة في الصيد والسفر ويكون الفرد الأكثر تعرضا للمخاطر لأنه وببساطة في عالم الذئاب، القيادة مسؤولية وليست منصب شرف وتحصين.

في المقابل عند بني الإنسان، نرى قياداتنا أبعد ما تكون عن الريادة وعن ركوب المخاطر وأقرب ما تكون إلى الاِستغناء الفاحش والخطابات الرنانة والشعارات الفارغة. ينجم عن هذا فقدان الثقة في القيادات وعلى وجه الخصوص القيادات العربية الإسلامية وكذا فقدان الأمل في ظهور قيادات مصلحة ترفع عن الواقع حجابه السميك من التبعية والاِنحدار لأنه من مميزات قياداتنا وأئمتنا السياسيين أنهم يحملون كراسيهم فوق رؤوسهم كآلهة المصريين القدامى حتى لا ينازعهم عليها منازع وحتى يسلموها لأبنائهم من بعدهم ويفعل أبنائهم مثلما فعل آبائهم. فهل يا ترنا نتعلم مفهوم القيادة والإيثار والتضحية بالنفس من أجل الغير من الذئب؟!

ختاما يبقى الأدهى والأمر أن الذئاب بكل حسناتها مخلوقات غير مكلفة ولن يتعدى حسابها قصاصا فيما بينها ثم يقول لها رب العزة كوني ترابا. في المقابل سيوقف ابن آدم يوم العرض ما مقداره خمسين ألف سنة وسيحاسب على القليل والكثير والنقير والقطمير عندها سيقول الكافر يا ليتني كنت ترابا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.