شعار قسم مدونات

كيف نقاوم مغناطيس الأفكار؟

blogs - lost

حينما أتحدث مع إنسان مريض بالوسواس أجده يعاني بشدة.. لا يستطيع الانتباه إلا لفكرة واحدة، تلك التي تدور في رأسه، يمكنك أن تحدثه في شتى المواضيع سيعود إليها، سيسألك عنها، ولو أجبت سيظل قلقا غير مصدق إلا أن يمن الله عليه ويُنسيه.

  

قرأت أن مريض الوسواس هو إنسان حساس في الأساس، يفكر كثيرا فيما حوله ويشعر بتأنيب الضمير لأبسط الاشياء، وهذه صفة جميلة لكن مع عدم الاعتناء بها، مع الانجراف لها بالكلية يمكنها أن تصبح مصدر عذاب للإنسان، سمعت مرة مقولة أعجبتني (أن الشيطان يداوم الوسوسة صباح مساء لا ينام، وأنه ليفتح للإنسان 99 بابا للخير حتى يوصله لباب واحد من الشر).

 

فمع شعورك بتأنيب الضمير المتزايد وأنت تظن أنه (خير)، ودلالة على سلامة قلبك، فإنك تثبت المرض والهواجس لأن قلبك الطيب يخبرك أن هذا كله صحيح، والحقيقة التي يجب أن تضعها في اعتبارك جيدا، أننا مأمورون بمعالجة الألم وليس التلذذ به، ومأمورون بالدعاء بالشفاء وليس ترك المرض يسرى فينا، لذلك فإني أخاطب هؤلاء الذين يريدون الشفاء، يؤمنون اننا خُلقنا كي نكون سعداء وأصحاء، وكي نركز مجهود عقلنا الجبار هذا في معرفة الله سبحانه والتفكر في كونه الواسع، وليس في فكرة ضيقة تسكن أدمغتنا ونظل نجرى ورائها كالفأر الهارب.

 

هذا المغناطيس القوي الذي تجده فجأة يجذب أفكارك ويبث الخوف والقلق في أرجاء نفسك، يمكن لك ان تضعفه، مع الوقت ستتعلم شرارات الحديد أن تقاوم، نعم، يجب أن تعرف أن خلايا مخك ذكية وتتعلم

منذ فترة كنت في رحلة تجوب شمال وجنوب مصر وكان المطلوب منا أن نقوم بعمل أدبي، مررنا على الكثير من المعابد المصرية في فترة قصيرة فوجدت أنهم يستخدمون الرموز الذكية في التعبير عن أفكارهم، ففكرت ما هو الرمز، هو محاولة تجسيد معنى بشيء من الطبيعة، كأن ترمز الأذن الكبيرة الموجودة في تمثال الكاتب المصري إلى أن يسمع أكثر مما يتكلم، وهذا معناه أن هناك اتصال شديد بين الطبيعة والأفكار، يمكن لأحدهما أن يتحول للآخر بسهولة.

 

ثم انتبهت لشيء آخر، أنني حينما أمر بموقف ما، مثلا لو كنت غاضبة أشعر بدخان يخرج من فمي، وكأن الأفكار ملتهبة بالداخل، وكأن هناك حريق، وحينما أكون حائرة مثلا أشعر بالغرق، وكأني وسط الأمواج واتشبث بخشبة وأنظر للسماء، وجدت أن الإنسان في لحظات حينما يكون شعوره قويا وجارفا، يتجسد أمامه شيء من الطبيعة، معنى هذا أن الأفكار ليست دخان، بل يمكنك الامساك بها وحصرها والتحكم بها، ألهمني الله سبحانه أنه طالما الفكرة يمكنها التحول إلى شيء مادي، إذا فلنستخدم ما تعلمناه في الطبيعة في كيفية التحكم بها.

 

ما يحدث في حالة الوسواس أن الإنسان يشعر وكأن أفكاره تنجذب إلى مكان واحد، كأن هناك مغناطيس يجذب حواس الإنسان تجاهه، فكيف نخرج شرارات الحديد من المجال المغناطيسي، أولا عليها أن تكون بعيدة عنه قدر الإمكان، بعيدة عن مصادر القلق، كالبيت المتوتر، المشاجرات الزوجية، التصادم مع مديرك المستفز، الجلوس منفردا داخل السيارة وسط الزحام دون راديو أو كاسيت، البقاء وحيدا دون قراءة أو التحدث مع الاصدقاء، في هذه الاحوال فإن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، لو وجودك في هذه الاماكن يدخلك في المجال المغناطيسي فعليك الفرار فورا أو تجنب الاحتكاك بقدر المستطاع.

 

فإذا افترضنا أن الشرارة دخلت حيز المجال المغناطيسي، فكيف نضعف قوته في رأيك؟، نعم، أن نأتي بمغناطيس آخر، هذا المغناطيس يجب أن يكون قويا، جارف المشاعر، له قدرة على جذب الانتباه إليه، قد يكون صديق تحبه، فإذا لم يوجد فهواية تسعد حينما تقوم بها، أو حلم يشغلك منذ سنوات وتحاول تحقيقه، أنغمس فيه تماما حتى تنجذب الشرارات إليه.

 

بيد أن أقوى مغناطيس رأيته يسحب خلايا المخ ويجعل المتوترة منها تهدأ وتسكن هو القرءان، له قوة عجيبة في أن يعم السكون المكان، ربما لا يشعر الإنسان بذلك في البداية لأنه لا يزال تحت تأثير المجال المغناطيسي، لكن مع استمرار القراءة، تجد خلايا المخ تنتبه إلى مصدر النور، تنساق بقوة غريبة إلى هذا النور، مهما بلغت قوة الفكرة (الوسواس) فإن قراءة القرءان بصوت عالى حتى مع عدم التركيز قادرة على سحب خلايا المخ إلى منطقة آمنة مطمئنة، لقد شاهدت أثر ذلك بنفسى على أكثر من مريض بالوسواس.

 

هذا المغناطيس القوي الذي تجده فجأة يجذب أفكارك ويبث الخوف والقلق في أرجاء نفسك، يمكن لك ان تضعفه، مع الوقت ستتعلم شرارات الحديد أن تقاوم، نعم، يجب أن تعرف أن خلايا مخك ذكية وتتعلم، ستجدها إن شاء الله بعد فترة طالت أم قصرت أصبحت لا تنجذب، تتفلت من هذا المجال الواهي وتفر إلى المنطقة الآمنة التي اعتادت عليها، أن جسدك يميل للشفاء لا للمرض، وبالاستعانة بالله ثم بإرادتك تستطيع أن تعيد بناء عقلك حيث يكون في أتم صحة، قال الله سبحانه (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.