شعار قسم مدونات

حركة فبراير والمشهد السياسي المغربي

BLOGS 20 فبراير

أخيراً تَجَرَّأَ المغاربة! وخرجت مئات الآلاف في أكثر من 54 مدينة وبلدة، متفائلين بعدما عايَشوا نجاح الثورة البوعزيزية التونسية وثورة 25يناير المصرية. ورغم أن المطالب كانت مُختلفة إلاَّ أن المُحرك واحد: غلاء المعيشة، البطالة، التهميش، إهدار المال العام، وهذا ما جعل الشعارات مُتقاربة: " الشعب يُريد التغيير"، " نُريد مَغْرِباً حُرّاً وديمُقْرَاطِياً "، "من أجل الكرامة، الانتفاضة هي الحَلُّ "

 

لا مُنازع أني أتحدث عن حركة 20فبراير، من أكبر الاحتجاجات الشعبية التي عرفها المغرب الحديث، نادَى المُحتجُّون خلالها بإصلاحات سياسية جذرية، أهمها وضع دستور جديد وتشكيل ملكية برلمانية وإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين، اعتقادا منهم أن طِينة الخيارات السياسية هي أساس المشاكل الاجتماعية والاقتصادية للبلاد.

 

وقد جاءت الاستجابة سريعة نوعا ما، ومُغطية لأبرز المطالب. ففي خِطاب التاسع من مارس أكدَّ الملك محمد السادس على ضرورة تشكيل لجنة لتعديل الدستور والذي سَيَأْتِي لتعزيز فصل السلط، توسيع مجالات الحُريّات الفردية والجماعية، تقوية منظُومة حقوق الإنسان…وفي أقل من 4 أشهر أُجري استفتاء الدستور، الاستفتاء الذي شارك فيه ما يُقارب 10مليون مغربي، حيث صَوَّتَت الأغلبية الساحِقة على تأييدها للتغيير. 98.5 بالمائة من الذين أَدلوا بأصواتهم قالوا نعم لتقليص الصلاحيات الدستورية للملك، نعم لانتخاب الحكومة من قبل الشعب، نعم للمُحاسبة وتنقية المحيط الملكي من المفسدين.

 

حركة 20 فبراير لو بَقيت حركة شعبية بعيدة عن أي انتماء حزبي، لما فقَدت مصداقيتها سريعاً، فكلنا نَعلم أن السياسة تُفسد كل شيء جميل

اليوم وبعد مرور 8 سنوات على أول تَجَمْهُرٍِ سياسي مغربي في عهد الملك محمد السادس، نَتساءلُ إلى أي مدى حقَّق المُواطن المغربي ذلك التغيير الذي كان يَطمح إليه؟ ما هو واقِع الحياة السياسية المغربية الآن؟ وما هي الأخطاء التي وَقعت فيها حركة 20 فبراير وكانت سبباً وراء اِنطفاء شُعلتها بسرعة البرق. ليشهد التاريخ أن حركة 20فبراير كانت عاملا رئيسيا وراء خروج أزيد من 190 مُعتقل سياسي في 14 من شهر أبريل من نفس السنة، وأن على يديها فَكَّ المغاربة عُقدة الخوف من السلطة، وحصلوا بعدها على مساحات كبيرة من التعبير الحر؛ مساحات ما كانوا ليحلُموا بها في عهد الراحل الحسن الثاني.

 

ليشهد العالم أن بعد تعديل الدستور، شهدت المملكة المغربية انتخابات برلمانية مُبكرة، ففي يناير 2012 ولأول مرة بعد الاستقلال يَخرُج للوجود السياسي برلمان يُمثل فِعلًا خيار الشعب؛ حدث وأن كان لنا ائتلاف حُكومي بقيادة حزب العدالة والتنمية، الحزب الذي كان يَعكس إرادة الشعب حِينها. ليشهد التاريخ أن حركة 20 فبراير وبطريقة غير مباشرة كَشفت المستُور، فظهر السياسيون الإسلاميون على حقيقتهم…لن يَنسى المغاربة خذلانهم لنا وتراجُعهم عن زعمهم مُتابعة ناهِبي المال العام.

 

فعبارة " عفا الله عما سلف " أكدت للشعب أنه لا يُوجد بين القنافذ أملس، وأن النزاهة ضرب من الجنون في عالم السياسة، وأن الإصلاح والعدالة ليسوا أكثر من شعار وهمي. فلا زال اقتصاد الريع ينهش في خيرات بلادنا، ولا زالت الرشوة وحدها تُكلف إقتصادنا 2 بالمائة من نسبة النمو. لا زال سرطان الفساد يَفتك بالشرائح الاجتماعية الهشة، ويَسرق من كل مغربي حر فرحةَ انتخابات نزيهة وقضاء مستقل وحكامة في تدبير أهم القطاعات الاجتماعية الاستراتيجية.

 

ربما كان على شباب حركة فبراير أن يرفعوا شعار "مغرب حر الآن، ديمقراطي فيما بعد" لأن الديمقراطية الحقيقية البنَّاءة تحتاج بيئة سليمة لتطبيقها الأمثل، فلن تَنجح المَلكية البرلمانية في بلد يَعيش أكثر من 3 مليون مواطن بأقل من 2 دولار في اليوم، يَنهش الفقر فيه كما يفعل سِرب الجراد بالحقول، لن تَنجح المَلكية البرلمانية في بلد يَغيب الوعي السياسي عن المُنتخِب كما يَغيب الضمير عن المُنتخَب. وليشهد التاريخ الذي حلِمنا به، أن حركة 20 فبراير لو بَقيت حركة شعبية بعيدة عن أي انتماء حزبي، لما فقَدت مصداقيتها سريعاً، فكلنا نَعلم أن السياسة تُفسد كل شيء جميل، تَحرق الأخضر واليابس وتُشوه مشروعية كل صوت حُر.

 

لو إختارت تلك النخبة التي تزَّعمت مئات الآلاف الذين خرجوا حينها أن تبقى محايدة، لكان السيناريو مُغايرا، ولما احتفل بها في ذكراها الأولى القلة القليلة فقط. رُبما أثنت المنابر الإعلامية العالمية على نجاح الحِراك المغربي لأننا لم ننزلق في متاهات خطيرة، لكننا في المقابل؛ عُدنا لنقطة الصفر وفقدنا الأمل في المشهد السياسي المغربي. فالمُواطن المغربي المُثقف الواعِي قاطَع كل الأحزاب، لأنه يَعلم أنه مهما كانت المُسميات، فالهدف واحد كالحصول مثلا على تَقَاعُدٍ استثنائي، تقاعُد العمر!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.