شعار قسم مدونات

بين سوريا وفنزويلا.. إرادة شعب مطروحة للاكتتاب العام!

blogs فنزويلا

خيّمت في الآونة الأخيرة على المشهد السياسي الدولي الأزمة الفنزويلية وانقسام دول العالم بين معسكرين تقليديين؛ شرقي مؤيد للرئيس الحالي "نيكولاس مادورو" في ولايته الثانية باسم دعم الشرعية تتقدمه روسيا والصين وتركيا وإيران، وآخر غربي مساند لرئيس البرلمان "خوان غوايدو" -الذي أعلن نفسه رئيسا مؤقتا للبلاد- على رأسه الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين وأكبر دول أمريكا اللاتينية باسم نشر الحرية والديمقراطية.

إنَّ تنصيب رئيسين في آن واحد يعيد إلى الأذهان ارتفاع علمين في السماء السورية في مشهدين بنفس اللاعبين الدوليين رغم الموقف المتباين لتركيا العضو في الناتو وصديقة روسيا في مشهد يصف بوضوح لعب أردوغان على التناقضات، ثم قيام كل معسكرٍ بلعب أسطوانة الشعارات المألوفة، كاحترام سيادة الدولة ورفض المؤامرة الخارجية والتدخل في الشؤون الداخلية، والحفاظ على الاستقرار من جهة التكتُّل الداعم للنظام، وشعارات الحرية والديمقراطية والإصلاحات السياسية والاقتصادية من ناحية الفريق المساند للمعارضة، والواقع أن قلْب كل منهما على مصالح جيوسياسية واقتصادية غير معلنة على رأسها في المشهد الأول السيطرة على خطوط إمداد الغاز الأمر الذي يلعب فيه الموقع الاستراتيجي للأراضي السورية دورا محوريا بين المصدرين والمستهلكين، وفي المشهد الثاني آبار البترول في أعماق فنزويلا صاحبة أكبر احتياطي للنفط على الكوكب، فيصبح القاسم المشترك بين المشهدين هو "لعنة الموارد" التي تصيب دول المصدر ولا تستثني دول الربط.

فنزويلا ليست سوريا
يبدو أن كلمة الفصل الأخيرة لإنهاء الأزمة تبقى للجيش صاحب أكبر نفوذ على البلاد والذي تعول عليه روسيا والصين للثبات على موقفه الداعم للرئيس المنتخب

على عكس المشهد السوري الذي تشرذمت فيه المعارضة ووظف نظام الأسد بنجاح حالها لضرب بعضها ببعض فإن المعارضة الفنزويلية متَّحدة متجاوزة خلافاتها ومنضوية تحت زعامة واحدة، كما أن الواقع الجيوسياسي المحيط بفنزويلا يقدم الأفضلية للأمريكيين لرد الصاع للغريم الروسي وتجاوز الهزيمة على الساحة السورية.

أما التلويح الأمريكي بخيار التدخل العسكري المباشر فلا يبدو واقعيا بعد عقود من العقوبات الاقتصادية في حرب استنزاف اقتصادي طويلة الأمد، وتفضيل واشنطن استراتيجيتها المعتادة في دعم التمرد على الأنظمة التي لا تسبح في فلكها داخل محيطها القاري. ومن المستبعد أن تغامر الولايات المتحدة بنشوب صراع مسلح طويل الأمد في فنائها الخلفي. هذه العوامل بالإضافة إلى عامل غياب حليف قوي لروسيا على الأرض؛ كحالة إيران والميليشيات المحسوبة عليها في الأزمة السورية، كلها مؤشرات على أنَّ موسكو وبكين أكثر استعدادا للمساومة على رأس نظام مادورو من أجل حماية استثماراتها الضخمة في البلاد وتأمين ديونهما أو على الأقل احتواء الخسائر في حالة سقوط النظام، وهو ما أدركه زعيم المعارضة الشاب غوايدو عندما صرَّح أن مصالح روسيا والصين "ستكون في وضع أفضل بتغييرهما الطرف الذي تدعمانه في فنزويلا".

وربما تستغل روسيا والصين الأزمة في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة بسعي الأولى إلى تعزيز نفوذها في البحر الأسود وطي صفحة ضم شبه جزيرة القرم استكمالا لسياسة فرض الواقع، وسعي الثانية إلى غض واشنطن الطرف عن بعض ممارسات بكين في بحر الصين الجنوبي، مقابل نصر معنوي على الجبهة الفنزويلية لإدارة ترامب يعزز فرص إعادة انتخاب الأخير. على كل حال يبدو أن كلمة الفصل الأخيرة لإنهاء الأزمة تبقى للجيش صاحب أكبر نفوذ على البلاد والذي تعول عليه روسيا والصين للثبات على موقفه الداعم للرئيس المنتخب، فيما تحاول الولايات المتحدة كسر شوكته بخلق ودعم الانشقاقات داخله.

المعادلة الصفرية

مهما تشابه المشهدان السوري والفنزويلي أو اختلفا فإن الثابت أن اللعبة في أيدي القوى الكبرى ويقتصر دور الشعوب على دفع الثمن وتسديد الفاتورة بعد اختتام المشهد بتسويات يتصافح فيها اللاعبون بكل روح رياضية ترقبا للجولة القادمة، بعد أن تُطرح إرادة الشعب للاكتتاب العام وتتزاحم القوى العظمى كمساهمين كل يريد حصته وتصبح دماء الأبرياء مجرد مجازفة استثمارية وأرواحهم أرقاما ترسم مؤشرات النجاح والفشل ومصائرهم مادة للرهانات وموضوعا للتنازلات البراغماتية، ثم تبرز الأحزاب والتنظيمات إلى الساحة كمساهمين صغار لجمع فتات الإنجازات المتسرب من بين أصابع الكبار. وأخيرا يطوى فصل من فصول كتابٍ لو قُلِّبت صفحاته لابد أن تُصادَف بين دفتيه فصولٌ بعناوين كأفغانستان أو العراق أو ليبيا…

وتجد الشعوب نفسها داخل معضلة يستعصي كسر طوق حلقتها وواقعٍ لسان حاله: لا ضامن لسيادة البلاد على أراضيها الموحدة إلا سلطوي يعيش في جيب الشرق ولا كافل لحريات العباد إلا ذيل من ذيول الغرب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.