شعار قسم مدونات

الحراك السوداني.. بارقة أمل لمستقبل أفضل

blogs السودان

يمر السودان حالياً بثورة شعبية بعد أن أثقل نظام البشير شعبه فقراً، وعجز عن توفير الدقيق لصناعة الخبز والوقود للسيارات والمواصلات العامة، وعجزت البنوك على توفير السيولة النقدية لمودعيها، وأهلك شعبة بعدة وسائل قمعية خلال فترة حكمه للبلاد.

السودان مؤهل أن يصبح عملاقاً اقتصادياً على الصعيد العالمي في حال استغلاله موارده الطبيعية الهائلة، فهو أكبر دولة مُنتجة للسمسم في العالم، ويملك ما يقارب 80 مليون فدان من الأراضي الزراعية الغير مستغلة بحسب تقرير مؤسسة "غولدمان ساكس" الأمريكية، ويستغل 40 بالمائة فقط من ثروته السمكية التي تقدر ب 160 ألف طن سنوياً. كما أنه أغنى دولة عربية وأفريقية بالثروة الحيوانية التي تُقدر بحوالي 103 مليون رأس من الماشية، ويستغل 12.2 مليار متر مكعب فقط من أصل 18.5 مليار متر مكعب من مياه النيل، وينتج 75 بالمائة من احتياج الصمغ العربي عالمياً مع أنه لا يستغل سوى 10 بالمائة من الغابات المُنتجة له.

كسر الثوار السودانيين حاجز الخوف بعد 30 عاماً من المعاناة والتسلط والفقر بمظاهراتهم المناوئة للنظام التي انتشرت كالنار في الهشيم في العديد في المدن والقرى السودانية

كما تغطي ما يزيد عن نصف مساحته الشاسعة صخور الأساس (complex rocks basement) التي تحتوي على العديد من المعادن النفيسة كالذهب، والفضة، والنحاس، والكروم، والحديد، والزنك، والرصاص، والملح، والجبس، والكاولين، والمنجنيز؛ فمنجم أوتيب يحتوي على أكبر مخزون من النحاس في العالم (5 ملايين طن). فشل السودان منذ استقلاله عن بريطانيا في عام 1956 في استغلال ثرواته الطبيعية الهائلة لبناء دولة قانون ومؤسسات ديموقراطية قادرة على الارتقاء به وتطويره، وتعرّض لعدد من الانتكاسات التي أدت إلى تدهور مستمر في أوضاعه السياسية والاقتصادية.

الانتكاسة الأولى حدثت عندما أسقط حزب الأمة الرئيس إسماعيل الأزهري وتمّ تسليم السُلطة للعسكر بقيادة الفريق إبراهيم عبود الذي حكم البلاد من عام 1958 حتى سقوطه في ثورة شعبية في عام 1964. أما الانتكاسة الثانية حدثت عندما تحالف الحزب الشيوعي السوداني مع العسكر مُجدداً وسلّموا السُلطة لجعفر النميري الذي حكم السودان ما بين أعوام 1969- 1985. والانتكاسة الثالثة حدثت عندما انتقلت السُلطة إلى الصادق المهدي الذي حكم البلاد من 1986- 1989، وفشل في إحداث تغييرات مهمة لأنه كان يمثل حِزباً عائلياً وليس حزباً ديموقراطياً يعتمد على الكفاءات البشرية القادرة على قيادة البلاد والعمل على استقرارها وازدهارها.

أما الانتكاسة الرابعة فحدثت في 1989 عندما تحالفت الجبهة القومية الإسلامية بقيادة حسن الترابي مع العسكري عمر البشير وتمّ إسقاط حكومة الصادق المهدي وتسلم البشير الحكم. عمر البشير حكم السودان كديكتاتور مستبد، وأهدر ثرواته على حروب داخلية أدت إلى تقسيمه وإضعافه وإفقاره، ووضعه في المرتبة 174 من أصل 180 دولة في حرية الصحافة بحسب تقرير "مراسلين بلا حدود". كما وزجّ بمعارضيه في السجون، وأوصل نسبة الفقر بين السودانيين إلى 36.1 بالمائة، وتسبب في حصول تضخم مالي وصل إلى 73بالمائة وأدّى إلى انهيار الجنيه السوداني لتصل قيمة الدولار ما يعادل 54 جنيهاً سودانياً، ووصلت نسبة الأُميّة في عهده إلى 31 بالمائة من العدد الكلي للسكان حسب إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء.

كسر الثوار السودانيين حاجز الخوف بعد 30 عاماً من المعاناة والتسلط والفقر بمظاهراتهم المناوئة للنظام التي انتشرت كالنار في الهشيم في العديد في المدن والقرى السودانية، وقدموا 50 شهيداً حتى هذه اللحظة في سبيل الحرية، وتغيرت مطالبهم من إصلاح النظام إلى إسقاطه. لكن البشير لجأ إلى سياسة القتل والقمع وتخوين القائمين على ثورة بلاده الشعبية، ومنع وكالات الأنباء من بث ما يجري، وحاول تصنيفها كمآمره "مكوكية" ضده ممّا يدلّ على تخبط وفشل نظامه في التعامل معها، واقترابه من السقوط. الحراك الجماهيري السوداني كما يبدوا تحول إلى ثورة نأمل أن تكون مصدر إلهام وبارقة أمل لشعوب الأمة العربية جمعاء وتكون بداية انطلاقة عربية للتغيير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.