شعار قسم مدونات

السينما الهندية ومشكلة النقاد فيها

blogs فيلم هندي

يعتبر النقاد من أحد الجيهات الضرورية التي يلجأ إليها في جميع المجالات للقيام بعميلة التصحيح والتقدم والتطوير وإعطاء صورة مقبولة أو ممتازة يميزها الإبداع والاحترافية والدقة العالية من قبل المسؤولين في تصريف أعمالهم وتنفيذها في ذلك المجال، ومن بين المجالات التي تلجأ إلى النقاد بكثرة هي السينما باعتبار الأفلام مشاريع فنية وجب الإبداع وإعادة النظر فيها من قبل النقاد الذين يطلق عليهم بـ "النقاد السينمائيين" الذين هم من أهم الفاعلين في عالم الفن السابع وخاصة بعد إصدار الفيلم في دور السينما، وذلك لامتلاكهم نظرة فنية نقدية واسعة ومعمقة التي يستطيعون من خلالها الجمع والإلمام بكل ما هو سلبي وإيجابي في الفيلم من الإخراج والتصوير والأداء والموسيقى وجودة الحوار والسيناريو، بما في ذلك قصة الفيلم من عدمها في تحويلها إلى فيلم سينمائي وإعطائها للفئة المهتمة لأجل عملية التنوير في هذا الفن.

 

فيما هو متعارف عليه أن دور النقاد هو إعطاء قراءة نقدية على الفيلم بعد مشاهدته واقتراح الحلول الممكنة، بالإضافة إلى مشاركتهم في لجنة الحكام في المهرجانات العالمية والمحلية في إختيار الأفضل من المخرجين والممثلين وغيرهم ممن شاركوا في الفيلم الذي ترشح في ذلك المهرجان، استنادا إلى الجوائز الممنوحة من طرف المهرجان نفسه، ولا علاقة لما يطلق عليه بـ "شباك التذاكر"، إلا أنه يأخذ كمعيار ثانوي باعتبار النقاد السينمائيين جزء من الجمهور إذا فوضنا أن "شباك التذاكر" هو الجمهور المتتبع للسينما.

  

إعادة السينما الهندية إلى مسارها الصحيح ليس بالسهل في ظل تواجد أشخاص مثل هؤلاء وحبهم للذات والثروة على حساب الإبداع والتميز بصقة عامة وعلى الفن السابع بصفة خاصة

إلا أن في الآونة الأخيرة وخاصة في السينما الهندية، ظهرت فئة من النقاد يطلق على أنفسهم بـ "النقاد والمحللين التجاريين"، والذين جل قراءتهم النقدية مبنية على توقعاتهم لإرادات الفيلم في "شباك التذاكر"، ونجاح الفيلم يكون من نجاحه في "شباك التذاكر" وفشله كذلك، متناسين ومغيبين النقد الفني الذي يمس كل من أداء الممثلين ولمسة المخرجين وجودة الإنتاج ومستوى كتاب السيناريو وانسجام الموسيقى مع أحداث الفيلم، وذلك لاهتمامهم بالثروة المادية وإهمالهم الجانب الفني والإبداعي الذي كان من المفروض أن يكون هدفهم واهتمامهم الأول والأخير.

   

كما هناك فئة أخرى والتي تعتقد وربما في إحدى الأوقات تكون على يقين، بأنها لا تقدم قراءة نقدية وإنما تقدم وجهة نظر فقط، وإعطاء الحجج والبراهين لبعض الممثلين على أنهم الأفضل، ودائما ما تكون ميولاتهم إلى هؤلاء الممثلين سواء كان أدائهم جيد أو متوسط أو ضعيف، وهذا على حساب ممثلين آخرين وإن كان أدائهم الأروع، سواء كانت ميولاتهم عاطفية أو مقابل قبضهم لرشاوي، كما أنهم يصرحون أنهم يعرفون كل شيء وغيرهم لا شيء، زيادة على ذلك متعصبين لأرائهم ولا يقبلون المعارضة، فدائما ما يسقطون في فخ التناقض مع أنفسهم دون دراية بذلك، وهاته الفئة هدفها الأول والأخير هو الشهرة لا غير ذلك.

 

طغيان مثل هؤلاء الأشخاص أدى إلى فجوة في السينما الهندية بين الجيل القديم الكلاسيكي والجيل الجديد الحديث، رغم ما يشهد محيط هذا الجيل الأخير ومجتمعه من وسائل متاحة لإعطاء صورة سينمائية ممتازة، وأشخاص ذو خبرة كافية في المجال، وأسوء ما في الأمر أن هذا المرض أصاب حتى فئة الجيل القديم، فأصبح شغلها الشاغل هو الركض وراء الربح في "شباك التذاكر" وفي أسرع وقت ممكن مستعينا بإعادة تصوير وإنتاج أفلام سابقة من داخل البلد وخارجه وإعادة إنتاج الموسيقى القديمة على حد سواء، وذلك لتعلق الجمهور بها وما لها من شهرة.

 

إعادة السينما الهندية إلى مسارها الصحيح ليس بالسهل في ظل تواجد أشخاص مثل هؤلاء وحبهم للذات والثروة على حساب الإبداع والتميز بصقة عامة وعلى الفن السابع بصفة خاصة، وذلك لما يملكونه من نفوذ وسلطة داخل البلد مع منتجين فاعلين في الساحة وممثلين فاقت نجوميتهم العشرين سنة والمكانة الرمزية التي صاروا يمتلكونها عند جمهور السينما الذي أصبح يثق فيهم ثقة عمياء، ويقدسهم تقديس الألوهية عندهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.