شعار قسم مدونات

"السلطان".. ضحية صانعي الأصنام وتجار الفشل

blogs أردوغان

تعرض اللاعب المصري محمد صلاح بعد أن تسلم جائزة مالية من عملاق التجارة الصيني "علي بابا" لانتقادات لاذعة على خلفية أزمة "الإيغور" المستعرة وما يتعرضون له من اضطهاد وتطهير عرقي على يد السلطات الصينية، إذ كيف يكون هذا هو" فخر العرب" وهو يفضل المال والشهرة على أرواح وأعراض إخوانه وأخواته في العقيدة؟!

  

في لقاء أجرته الإعلامية المصرية (منى الشاذلي) سبتمبر / أيلول 2011 مع رئيس الوزراء التركي حينها (رجب طيب أردوغان) والذي كان معروفا بمواقفه الداعمة لثورات الربيع العربي، صرح الرجل بتصريح صادم خاصة لأبناء التيار الإسلامي الذين يعتبرونه أحد أبناء الفكرة ورمز مهم من رموزها حين قال صراحة أن تـركيا دولة "ديموقراطية علمانية"، فتعرض الرجل بعدها لهجمة ضارية من بعض الإسلاميين تصدى لها البعض الآخر منهم بدفاع مضاد من التبرير والتأويل ذهب بعضهم فيه أن هناك خطئا في الترجمة.

 

لكن (أردوغان) أو كما يحلو للبعض أن يلقبه بـ "السلطان" خاصة بعد تصدره المشهد بقوة في تركيا التي برزت في عهده كقوة دوليه ذات سيادة وتأثير وكلمة مسموعة، لم يكف عن تبني فكرة "علمانية الدولة" مفندا وجهة نظره مع الإعلامي السعودي (تركي الدخيل) على فضائية العربية عام 2017 حين قال صراحة أن الأفراد لا يجب أن يكونوا علمانيين لكن الدولة يجب أن تكون كذلك، فذهب حينها المهاجمون والمبررون –على حد سواء- مذهبا أبعد يخلو من الموضوعية والإنصاف إلا فيما ندر، ويذهب هؤلاء المنتقدون وخلفهم المبررون أيضا مذهبا مشابها مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بسبب تلقيها تمويلا أو دعما من (إيران) يقابله ثناء على قادتها العسكريين في غير موقف، بالرغم من المجازر التي ارتكبتها ولازالت في سوريا واليمن والعراق.

 

صلاح لم يدع يوما أنه حامل لواء الإسلام الذي يقف بالمرصاد لكل من يتطاول عليه، كل ما كان يفعله الرجل أنه يخر ساجدا بعد كل هدف يحرزه

لا شك أن الأحداث الجسيمة التي أصابت الأمة بوجه عام وأبناء الحركة الإسلامية بوجه خاص بالإضافة إلى الثقافة التربوية والفكرية التي تعلي من قيمة القدوة أو الرمز التي قد تصل أحيانا إلى حد التقديس، وتقبح في الوقت نفسه من أسلوب التفكير النقدي والاحتكاك بالثقافات الأخرى، أدت إلى لجوء الكثيرين منهم إلى الحيل الدفاعية النفسية وخاصة أسلوب "الانفصام" الذي يعتمد أسلوب التفكير (أبيض – أسود) أو (الكل – لا شئ)، وهي طريقة يصعب فيها على المرء جمع صفات حميدة وأخرى ذميمة في نفس الشخص فيبتعد بذلك عن الواقعية والمنطقية في التقييم، والمراهقون هم أكثر عرضه لتلك الحالة التي قد تتطور إلى اضطراب عقلي بحسب عالم النفس الاسكتلندي (رونالد فيربرين).

 

فـصلاح لم يدع يوما أنه حامل لواء الإسلام الذي يقف بالمرصاد لكل من يتطاول عليه، كل ما كان يفعله الرجل أنه يخر ساجدا بعد كل هدف يحرزه متأثرا – على ما يبدو – بلاعبي منتخب (مصر) في عصرهم الذهبي وقائدهم اللاعب المعروف (محمد أبو تريكة) الذي لا يكف (صلاح) عن إظهار امتنانه وتقديره له، كما أن زوجته تحافظ دوما على مظهرها بحجاب عصري كأغلب بنات جيلها بالرغم من شهرة زوجها التي بلغت الآفاق، فالرجل لا يعدو كونه لاعبا محترفا تجسدت فيه قيم الاجتهاد في العمل حتى تحقيق الهدف بالرغم من الظروف الصعبة والإمكانيات المحدودة.

 

أما (حماس) فهي لا تزال تكرر أن قضيتها الأولى والأخيرة هي تحرير فلسطين من البحر إلى النهر وأن كل أنشطتها سواء في الداخل المحتل أو الخارج لا تهدف إلا لهذا، وأنها ليست لها علاقة ولا تحب أن تقحم نفسها في صراعات دولية حتى وإن كانت إسلامية لأن عندها ما يكفيها من الأعباء والمصاعب والتهديدات، فيا أبناء الحركة الإسلامية في البلاد العربية عامة وفي بلدي (مصر) خاصة، إن لم ينضجكم لهيب كل تلك المآسي والدماء والتجارب المريرة على مدار ما يقرب من الـ 100 عام.. فما عساه يفعل؟ كم من الأصنام صنعتموها من دعاة وقادة وسياسيين حتى رفعتموهم فوق الأعناق فما لبثوا إلا وانهاروا راضين أو مرغمين؟ كم من التجارب الفاشلة التي مررتم بها فلم تحاسبوا مخطئا أو تحللوا سببا أو حتى تذكروا شيئا للتاريخ ينفع من يأتي بعدكم؟

 

 الذين سيصوتون له أو ضده في الانتخابات، إذا التقت مصالحه معكم – وهي كذلك حاليا- فتعاونوا معه وساعدوه بما يحقق الفائدة المشتركة، وإذا تعارضت المصالح فابحثوا عنها في مكان آخر، ففي السياسة لا يوجد (سانتا كلوز) يوزع الهدايا المجانية على الفقراء والمحتاجين، وهذا ما أوضحه مستشار أردوغان (عمر الفاروق) على فضائية الحوار التي تبث من (لندن) 2016، قائلا وبكل وضوح أن (تركيا) دولة وطنية في النهاية لها معاييرها الإنسانية التي تتسق مع المعايير الدولية، أما النعرات التي يثيرها بعض العرب فهي أكبر من (تركيا) وتضر بمصالحها وتزكي العداء بينها وبين جيرانها الأوروبيين، وأضاف الرجل في النهاية أن من ينادي بمثل تلك الشعارات – وأحسبه يقصد "عودة الخلافة" – قد فشل في تحقيق هذا في بلده وفشل حتى في الحفاظ على التجربة الديموقراطية الناشئة فلا ينبغي أن ينقل فشله إلى (تركيا).

  

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هونا ما ، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما" السيوطي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.