شعار قسم مدونات

كريسماس في مكة.. أعظم من مجرد رواية

blogs كريسماس في مكة

رغم نقاش عدة مقالات لهذه الرواية العظمية غير أنني لم أستطع منع نفسي من إضافة رأيي لما جاء في الرواية من أمور مهمة وعصرية فالكاتب أحمد خيري العمري طرح داخل الرواية أهم المشاكل العصرية في زمننا الراهن ومع أنه ذكر في الأهداء أن شخصيات الرواية خيالية ونوه إلى حدوث الصدفة لم تكن الرواية إلا تذكيراً لمآسي عاشتها الشعوب بعد الحرب وقد كتب أحداث الرواية لما جرى في بغداد والعراق وهذا ما جرى للسوريين بعد عام 2011 ليعيد التاريخ نفسه ويطرح علينا مصائب الدهر من العراق إلى سوريا وليبيا واليمن وكل دول الربيع العربي.

البداية مع مريم التي تمثل أبناء المسلمين المهجرين في دول الغرب وصديقتها التي لعبت دور المجتمع الغربي الذي يصور المسلمين على أنهم مجموعة من الذكوريين المتسلطين على النساء ونتيجة خلط الأفكار من قبل الغرب لدى أبناء المسلمين المهجرين والذين يربون في إطار خارج نطاق الإسلام ولأسرة مسلمة فينتج جيل ينكر أصله ولا ينكر أصله فهم مسلمين بنكهة غربية ثم في المشهد القادم من الرواية يأتي دور ميادة والدتها لمريم والتي عاشت حياتها كاملة في ظل الإسلام وتحاول جاهدة الحفاظ على أبنتها وتعريفها بأهلها في العراق وننتقل بعد ذلك إلى سعد عم مريم والذي بقي في العراق وعانا من ويلات الحروب ومآسيها ما جعله بعد الحرب ليس كسعد قبلها وأي حرب تلك التي تجعل الناس على طبيعتهم فالكل مكلوم ويعيش الشعب بين قتيل ولاجئ وغارقاً في البحر المتوسط وهو يحاول الوصول إلى بلاد الغرب وبين أسير ومفقود وأمٌ مكلومة وأب مجروح وولد يتيم وننتقل بعدها إلى حيدر خال مريم والمتضرر أكثر من أخته ميادة نتاج أختلاطهم بالغرب وعدم ضبطه للأمور تحتوي الرواية على شخصيات رئيسية تتمحور حولها الأحداث وشخصيات ثانوية ليطرح الكاتب عدة قضايا:

1- مريم وأزمة الهوية
في سطور الرواية يشدك أن الجميع في مكة توحدوا تحت ظل الإسلام رغم اختلاف مصائبهم وألوانهم وأن في أرض الحرم تتبدد الذنوب بالندم والاستغفار والدموع وأثارت الرواية عينة من المشاكل الأسرية لدى الأسر الإسلامية اللاجئة في الدول الغربية

في خضم الأحداث الجارية داخل الرواية سيجد المطلع عليها أن مريم نصف غربية نص عربية فهي على رغم عدم لبسها الحجاب ولا التزامها بمعضم تعاليم الإسلام فقد قررت أن يكون بحث تخرجها في تخصص العمارة ذو طابع أسلامي وعند تهجم أحد الفتيات على الحجاب أثارها ما قالت وأنها من مجتمع نسائهم تتحجب وعند ذكرها للأعياد لسعد ذكرت الكريسماس وعيد الأضحى ففي الأعياد لا هي مسيحية ولا هي مسلمية الأعياد كلها سواء عندها دون وجود قيمة دينية مع أن الأصل في هذه الأعياد ديني ونرى أنها أخذت بعض الافكار الخاطئة من طبيعة الأجواء التي عاشتها وكانت تظن أن السعودية ومكة في حال سيء معمارياً وأن الغرب متقدم في ذلك مراحل ومراحل وحين وصولها مطار جدة تحديداً وما بعد بدأت تبدي أعجابها وأن الوضع احسن مما كانت تتوقع غالباً من يتعاطون الفكر الغربي ويدخلون في حالة أن الغرب كُل شيء لا يرى في المشرق العربي سوى الدمار والخراب لا ننكر أن الأحداث الأخيرة جعلتنا في أسواء حال ولكن لو رجعت للوراء قليلاً فالوضع افضل مما نحن فيه الآن بكثير وهذه الحالة التي يسميها المصريين في أمثالهم الشعبية عقدة الخواجة والتي يقولونها عندما يصل الإنسان إلى مرحلة يرى فيها الخواجة هو الصواب في كل ما يفعل وكل ما يقول وهو الأفضل في جميع المجالات ولمجرد أن الخواجة فعل كذا فهو صواب.

2- ميادة والحفاظ على العادات

ميادة التي كان كل همها هو الحفاظ على ما بقي لهم من ذكرى للعراق وعدم تشرب كل ما هو غربي من عادات وتصرفات ليس لها في الإسلام أي صلة وتعتبر في بلاد المسلمين والعرب حراماً ومن الذنوب التي قد تأدي بصاحبها إلى الفضيحة أمام الناس أو العقاب أمام الله كانت ميادة متخوفة من عدم تقبل أحد الطرفين للآخر وكأنها تحاول الجمع بين الشرق وهم أهل مريم وأهل الغرب وهي مريم والتي كانت ترى أن الخلاص الوحيد لإنقاذ أبنتها من براثن الغرب هو الزواج من عراقي أبن بيئتهم التي تركوها منذ زمن.

3- سعد والتوبة إلى الله

يتأثر الإنسان بما يحدث له من كوارث ونوائب وسعد قرر التوبة والعودة إلى الله بعد أن خسر كل ما يملك إن الذنوب هي أحد أسباب المهالك وقد يزيد الناس من تمسكهم بالله عند النوائب لعلمهم أن الدنيا مهما طالت مصيرنا إلى الله وسعد الذي كان متعجرفاً أصبح في أحسن حال مع نفسه نتيجة ما حدث له وأنظر صدمة سعد حين لقائه مريم وهي تخبره بقدوم الكريسماس والذي علم أن مريم قد وصلت لحالة من التأثر بالغرب ما كان يجب أن تصل لها.

4- حيدر ونكران الهوية

كان حيدر في مأزق نفسي ولم يستطع أن يضبط أمور بيته فقد أنجبت ابنته مولودًا خارج نطاق الزوجية وهو ما يعتبره المسلمون زنا وتعاقب الفتاة على فعلتها هذه في حال كانت في دول إسلامية وكان حيدر في حيرة من أمره فهو الذي عاش في العراق وابنته ليس لها أي دخل بأصلها وانكرت هويتها بشكل كامل فهي لم تعد إلا غربية الطباع والتصرف والاعتقاد. عرض لنا الكاتب الصراع الناتج ما بعد 2003 وهذا الصراع الذي أمتد ليشمل دول عربية أخرى ذلك الصراع العقائدي بين سني وشيعي والذبح على الهوية.

في سطور الرواية يشدك أن الجميع في مكة توحدوا تحت ظل الإسلام رغم اختلاف مصائبهم وألوانهم وأن في أرض الحرم تتبدد الذنوب بالندم والاستغفار والدموع وأثارت الرواية عينة من المشاكل الأسرية لدى الأسر الإسلامية اللاجئة في الدول الغربية، وفي النهاية الرواية أعظم من أن تسعها مقالة فالمحتوى ضخم ومميز والأسلوب رائع والمواضيع داخل الرواية وتفاصيل الرواية مهمة جداً والشخصيات جسدت واقع عربي إسلامي أليم وعند قرائتي للرواية أتوقع أن رواية كريسماس في مكة أحد الروايات التي قد تترجم إلى فلم سينمائي في يوم ما وهي تستحق أن تترجم للغات غير العربية لما حملته من عرض مهم لقضايا مهمة أثارها الكاتب فهي أعظم من مجرد رواية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.