شعار قسم مدونات

صناع الإرهاب.. عندما يقتلون القتيل ويمشون في جنازته..

مدونات - 11 سبتمبر برج التجارة العالمي

الإرهاب، من أكثر الكلمات تكرارا في نشرات الأخبار العالمية منذ عقود من الزمن. إنها كلمة، على الرغم من مركزيتها وتأثيرها العالمي، إلا أنها لا تزال بدون تعريف عالمي جامع يبين مضمونها وحدودها حتى اليوم.

 

العديد من الأحداث الإرهابية غيرت العالم بالفعل، لعل أشهرها أحداث الحادي عشر من سبتمبر أيلول من العام 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية. إلا أنه من الملاحظ بأن الغموض والإبهام هما سمتان طاغيتان على كل ما يتعلق بالإرهاب، سواء بالنسبة لنشوء وتطور ومن ثم انحسار الجماعات المصنفة عالميا كإرهابية كالقاعدة وداعش وغيرها، أو بالنسبة للوقائع والأعمال الإرهابية التي تتبناها مثل تلك المنظمات والتي تضرب هنا وهناك في العالم بين الفينة والأخرى. هذا الغموض فتح المجال لكثير من الجدل وأثار بالفعل في كل مرة عاصفة من التساؤلات المحقة حول ماهية هذه العمليات ومن يقف وراءها فعليا، إلا أن الكثير من هذه الأسئلة بقيت مفتوحة وبدون إجابات مقنعة حتى اليوم.

 

في هذه المقالة لن ندخل في لعبة الجدل العقيم ولن نقحم أنفسنا في تحليلات واستنتاجات غير موثقة حول مصادر الإرهاب وأياديه الخفية، بل سنحاول فقط أن نسلط الضوء على عدد من الأحداث "الإرهابية" التي تم كشف النقاب عن بعض خفاياها وأسرارها بشكل موثق لنترك بعد ذلك مهمة التحليل لك عزيزي القارئ.

 

اختطاف القنصل الفرنسي وزوجته في الجزائر عام 1993
تم كشف اللثام عن الحقائق الخفية في هذه القضية في كتاب صدر عام 1999 بعنوان "DST Polic serète" للكاتبين روجر فاليكوت وباسكال كروب. في هذا الكتاب أميط اللثام عن دور المخابرات الجزائرية في الترتيب لهذه العملية

كل شيء بدأ صباح يوم الرابع والعشرين من تشرين الأول أكتوبر من العام 1993، وذلك في خضم الأحداث المروعة التي شهدتها الجزائر خلال ما يسمى بالعشرية السوداء. في ذلك اليوم قام عدة رجال مسلحين باختطاف القنصل الفرنسي وزوجته مع أحد موظفي القنصلية في الجزائر واقتادوهم إلى جهة غير معلومة. أعلنت ما تسمى بـ"الجماعة الإسلامية المسلحة" في الجزائر رسميا مسؤوليتها عن عملية الاختطاف. بعد ثالثة أيام من عملية الاختطاف أعلن وزير الداخلية الفرنسي في تلك الفترة "آلان جوبيه" دعمه الكامل للنظام الجزائري، كما وعد الجمهور الفرنسي بإيجاد وتحرير المختطفين الثلاثة في أسرع وقت.

 

أما في الجزائر فقد قلبت السلطات الأمنية الجزائرية العاصمة راسا على عقب بحثا عن المختطفين، وشنت العديد من حملات الدهم والاعتقال ونشرت الكثير من الدوريات الأمنية وهي تحمل صورا للمختطفين الثلاثة من أجل تعريف الناس بهم وطلب المساعدة من الجمهور في إيجادهم. بعد أسبوع من عملية الاختطاف، وبشكل مفاجئ تم الإعلان عن تحرير القنصل الفرنسي وزوجته نتيجة "عملية مداهمة" قامت بها القوات الأمنية الجزائرية، وتم بعد ذلك مباشرة ترحيلهما إلى فرنسا على متن طائرة خاصة حيث تم استقبالهم من أعلى المسؤولين الفرنسيين. بعد ذلك بثلاثة أيام تم الإعلان عن تحرير المختطف الثالث والذي كان موظفا في القنصلية.

 

الجدير بالملاحظة هو أن القنصل الفرنسي المحرر وزوجته تم منعهما من الإدلاء بأي تصريح للصحفيين عن واقعة اختطافهما، كما تم ابتعاثهما بعدها مباشرة إلى جزر فيجي النائية بعيدا عن أعين الجميع. وجه السفير الفرنسي في الجزائر شكره للسلطات الجزائرية لجهودها في تحرير الرهائن، وبعدها أطلقت فرنسا أكبر عملية لها منذ عام 1961 ضد المعارضين الجزائريين المقيمين في فرنسا، سميت هذه العملية وقتها بالعملية "Chrysanthème".

 

الجدير بالذكر هنا هي قصة المعارض الجزائري حسين كروش والذي داهمت قوات الأمن الفرنسية منزله واعتقلته بتهمة دعم الجماعة الإسلامية في الجزائر، وقد وجدت قوات الأمن في منزله عند اعتقاله بيانا يماثل البيان الذي أعلنت بموجبه الجماعة الإسلامية عن تبنيها لعملية الاختطاف، مما اعتبرته السلطات الفرنسية دليلا على انتماء السيد كروش لهذه المنظمة الإرهابية. سجن السيد كروش إثر ذلك، إلا أنه وبعد سبع سنوات تم إطلاق سراحه في مشهد مذهل، حيث أعلن قاضي التحقيق الفرنسي المسؤول عن القضية في معرض تبريره لإطلاق السيد كروش عن "بناء أدلة كاذبة وتزييف للحقائق من أجل خداع العدالة".

 

تم كشف اللثام عن الحقائق الخفية في هذه القضية في كتاب صدر عام 1999 بعنوان "DST Polic serète" للكاتبين روجر فاليكوت وباسكال كروب. في هذا الكتاب أميط اللثام عن دور المخابرات الجزائرية في الترتيب لهذه العملية من الفها إلى يائها وذلك لدفع الفرنسيين والأوروبيين لدعم النظام في الجزائر من جهة وإعطائهم الذريعة لضرب الإسلاميين الجزائريين المقيمين في فرنسا وأوروبا من جهة أخرى. وقد أكد الكتاب بأنه مباشرة بعد حدوث عملية الاختطاف هبط مسؤولان فرنسيان في الجزائر والتقوا بقادة المخابرات الجزائرية الذين أكدوا لهم بأن الرهائن بخير وأنهم سوف يتم تحريرهم قريبا ولكنهم بانتظار إشارة تعاون ودعم من فرنسا، حيث يرغبون في أن يقوم شارل باسكوا، وزير الداخلية الفرنسي آنذاك، بضربة قوية للإسلاميين في فرنسا.

 

في المقابل، ذهب تقرير بثته القناة الفرنسية "Canal+"، إلى اعتبار الفرنسيين أنفسهم شركاء في التخطيط لهذه العملية. ففي هذا التقرير أكد العديد من ضباط المخابرات العسكرية الجزائرية السابقين سيناريو الاختطاف كالنقيب حسين اوجينون الذي أكد بأن العقيد إسماعيل العماري، وهو الرجل الثاني في المخابرات العسكرية الجزائرية آنذاك، قد قدم عدة سيناريوهات بما فيها اختطاف السفير الفرنسي، إلا أن الاتفاق تم في النهاية حول اختطاف الموظفين فقط. ويضيف النقيب حسين اوجينون بأن المختطفين قد تمت معاملتهم بلطف وتم وضعهم في منزل تعود ملكيته لجهاز المخابرات. كما جاء في هذا التقرير التلفزيوني تأكيد جان مبعوث وزير الداخلية الفرنسية شارل مارشياني، وهو أحد المسؤولين الفرنسيين الذين هبطوا في الجزائر كما أسلفنا أعلاه، إعطاءه الضوء الأخضر لتنفيذ العملية "بشرط أن لا يقع أي خطأ".

 

الجدير بالملاحظة هنا أن التقرير التلفزيوني الذي بثته القناة الفرنسية لم يشاهده على يوتيوب سوى بضعة آلاف، وهذا لا يمكن مقارنته بحجم الضجيج الذي تم افتعاله عند تنفيذ عملية الاختطاف نفسها واتهام الإسلاميين بها. من جهة ثانية، تجدر الإشارة إلى المختطفين الثلاثة لم يكن لديهم أي علم مسبق بعملية الاختطاف والتي كانت بالنسبة لهم في ذلك الوقت كان حقيقية تماما ومرعبة، إلا أنها اليوم بقيت عالقة في اذهانهم كذكرى مؤلمة.

 

أحداث إرهابية أخرى تم كشف بعض خفاياها

قضية اختطاف القنصل الفرنسي ليست وحيدة بل هناك العديد من القضايا الأخرى التي تم كشف تفاصيلها الخفية. نذكر على سبيل المثال قضية ميشيل سماحة، الوزير اللبناني السابق ومستشار الرئيس السوري بشار الأسد، الذي تم ضبطه متلبسا على الحدود السورية اللبنانية وبحوزته قنابل وأسلحة كانت معدة لتنفيذ هجوم إرهابي ضد أحد الأهداف الحيوية في طرابلس والتي لو تمت بالفعل فإنها كانت ستخلق اضطرابا أمنيا كبيرا وربما حربا أهلية في لبنان. هذه القضية تمت إحالتها للقضاء واعترف الرجل بحيثياتها وتفاصيلها كاملة والتي اشارت بوضوح إلى أن السلطات السورية، وعلى أعلى مستوياتها السياسية والاستخباراتية، هي المدبر الرئيسي خلف هذه العملية.

 

كما يمكن الإشارة أيضا إلى قضية التفجيرات الإرهابية التي ضربت العاصمة الأردنية عمان في نوفمبر من العام 2005 والتي راح ضحيتها عشرات القتلى ومئات الجرحى ومن بينهم المخرج السوري العالمي مصطفى العقاد. هذه الهجمات الإرهابية تبناها في ذلك الوقت  تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين  بقيادة أبو مصعب الزرقاوي، إلا أنه وبعد سنوات عديدة، ونتيجة لدعوى رفعها بعض ذوي ضحايا هذه التفجيرات أمام القضاء الأمريكي، قضت محكمة أمريكية بتورط المخابرات العسكرية السورية في تقديم العون اللوجستي والدعم المالي للمتورطين في تنفيذها (1).

 

في المحصلة، هذه بعض قصص "الإرهاب الإسلامي" التي تم كشف خفاياها أمام العامة وباتت الأيادي الخفية التي دبرتها والأهداف التي وراءها واضحة أمام الجمهور. لكن في المقابل هناك الكثير من القضايا الإرهابية التي ما زالت تفاصيلها غامضة تلفها العديد من الأسئلة المحيرة والمحقة في الوقت نفسه. فهل مساهمة الدول في صناعة الإرهاب تمثل الاستثناء، أم أنها تمثل اتجاه أعم من ذلك بكثير؟
————————————————————————————————————————–
مراجع: 
1- law justia com

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.