شعار قسم مدونات

ما في حدا لا تندهي ما في حدا!

blogs تفكير

في مرحلة من مراحل هذه الحياة نخوض غمارات كثيرة مليئة بالجنون اللامحدود هذا الجنون يكون على شكل ركض خلف أطلال مكان ما أو شخص ما ذات العمر الذي ينقضي دون أن نلتفت بأننا أفرغنا جزء كبير من هذا العمر خلف مطاردة السراب ولكن ما يؤرقنا دائما نهايات الأشياء التي تبقى مفتوحة دون أن يكون بها بصيص صغير من الأمل.. قام "الإخوان الرحباني" قبل سنوات كثيرة بكتابة  قصيدة "ما في حدا لا تندهي ما في حدا"، وقامت بغناءاها فيروز صوت القمر في الأرض بطريقة مليئة بالحنين والشوق والبحث عن الحبيبة التي غادرت منزلها وجاء إليها حبيبها بعد سنوات للبحث عنها ووجد:

 

بابُن مسكّر والعشب غطّى الدراج

شو قولكن؟ شو قولكن صاروا صدى؟

 

كمية الزخم العاطفي والشعري بصوت فيروز وإحساس الإخوان الرحباني جعلت من هذه الجدارية الجميلة والعميقة رسالة يقوم بتوجيهها كل الباحثين عن حبيباتهم بين أزقة المدن وقراها وأريافها حيث يمكنك التخيل كيف للإنسان أن يصل إلى عتبة بيت من يحب ويجد هذا البيت مليئ بالعشب الذي يكسوه بعد غياب طويل هنا يركع كل العاشقين على عتبات من يحبون ويملئون هذا العشب بالدموع ليس ضعفاً منا وإنما هو عبارة عن شعور لا يمكن لأحد أن يفسره سوى الله وحده فهو المسؤول الأول عن نبوغ هذا الإحساس بأرواحنا وهو المسؤول عن أعمالنا إتجاه من يزرع حبهم في قلوبنا فالبشر لا يملكون سوى الإستهزاء بمشاعرنا وتصغير تلك المشاعر لتكون عبارة عن ضحكة هستيرية يملأون يبثون فيها كسر من يقابلهم بتلك المشاعر.

 

هناك في هذه اللحظة من يجلسون على عتبات العشب الأخضر على أبواب ونوافذ من يعشقون لأنها لا يريدون شيئاً سوى أن يجلسون على تلك العتبات المليئة بخطوات الحبيبات البعيدات فطوبى لهم أينما كانوا في بقاع هذه الأرض

"بابن مسكر والعشب غطى الدراج" لك أن تتخيل عزيزي القارئ تلك الصورة وأنت تصل لبيت جميل تجده مفعماً بالحياة من بعيد وعندما تقترب تكون نبضات قلبك متسارعه وكأنك ستجد نصفك الذي فقد منك وفجأة تقترب أكثر وأكثر من درج طويل تجده مليئ بالأعشاب التي تنبت فقط حين يكون هذا البيت مهجوراً من كل الأرواح التي تسكنه! تطرق الباب مرة ومرتين وثلاثة دون أن يجيب أحد وتذهب خلف ذلك البيت لتنظر من نوافذه لكي تجد همسات أحد بداخله ولكن دون جدوى دون جدوى هذا الصدى الذي يخرج مع التنهيدة التي تسقط الجبل لتقنع نفسك بأن ما تشعر به ليس صحيح! هنا تعود مرة أخرى لذلك الدرج المليئ بالعشب الأخضر الذي يشبه أوراق أيلول لتنادي بصوت مليء بالبكاء "بابن مسكر والعشب غطى الدراج". هناك تستلقي دون أن تشعر بنفسك لكي تعود لبداية هذا العمر الذي جعلك تطارد غيمة سراب غيمة نهايتها صوت يردد ما في حدا لا تندهوا ما في حدا!

 

تتوقف كل الحواس في هذه اللحظة دون أن تشعر بنفسك ودون ان تستطيع الحديث تتوقف وتنظر للسماء بعيون مليئة بالقهر والحنين والشوق والجنون الذي يجعلك أن تعانق هذا العشب بعد أن رحلوا من كانوا يضيئون هذا المكان ويضيئون القلب والروح، كل هذه المشاعر التي تواجه كثيرون ممن يطاردون غيمات السراب في هذه الحياة تتدحرج بداخلنا كرات الاشتياق والحب المليئة بالحزن لتجعل منا أجساداً وجثث تمشي على الأرض دون أن نشعر بأنفسنا ويقودنا هذا الطريق المظلم إلى نهاية لا يمكننا أن نشعر بها لربما تكون النهاية ولربما تكون البداية الجديدة التي تشعل كل شيء جميل صادق بحياتنا دون أن نلجأ يوماً من الأيام لترديد "ما في حدا لا تندهي ما في حدا"!

 

هناك في هذه اللحظة من يجلسون على عتبات العشب الأخضر على أبواب ونوافذ من يعشقون لأنها لا يريدون شيئاً سوى أن يجلسون على تلك العتبات المليئة بخطوات الحبيبات البعيدات فطوبى لهم أينما كانوا في بقاع هذه الأرض!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.