شعار قسم مدونات

ذكريات إنسان على جدار الحياة!

blogs تفكير، تأمل

في الحافلة وسط زحمة الحياة، ثمة أشياء جميلة تحدث، أم تعتني بطفلها، وفتاة تسر إلى صديقتها حديثاً فتهمس في أذنها كلامًا لا نسمعه، رجل في مقتبل الحياة يتحدث في جواله، امرأة عجوز تقف بجواري، تحدق بطفل في أعوامه الأولى من الحياة، وهي تقف على نهاية خريف حياتها تعد الأيام المتبقية لها في هذا الكون، وأنا وسط هذه الزحمة أقف بالحافلة أكتب هذه الكلمات، وأترقب نهاية هذا العام المليء بالأحداث، أحداث متسارعة، عمل ودراسة، سفر وإقامة، لقاء وفراق، تغيير في الأماكن والسكن.

هذا العام الذي انتقلت فيه ما يقرب الثلاث مرات بأماكن متفرقة، قررت أشياء وتوقفت عن تنفيذها، تقدمت وتراجعت، أطعتُ وأذنبت، حاولت كثيراً أن أكون قوياً فضعفت، قررت الرحيل ولم أرحل، وبعدها الرجوع ولم أرجع، كل شيء حدث، حتى النوم كنت انام منتصف الليل واستيقظ أول النهار، عزمت على ترك الدراسة ولم أفعلْ، قررت أن اعطي للحياة قبلة نتصالح بعدها، فصفعتني بكف أسقطني أرضاً، ولكنني عنيد كالعادة، قمت أسرع من البرق، حاولت وفشلت، نجحت في غير موعد النجاح فلم افرح به.

لقد شارف العام على الانتهاء بانتصار الأمل على اليأس، رغبة في أن ينتصر الحب على الحرب، والحياة على الموت، والنجاح على الفشل، والقوة على الضعف

بالأمس ليلاً داهمني اليأس بجنوده وأسلحته، وكانت مواجهة عظيمة بينه وبين الأمل، لم ينتصر أحد منهما في قلبي، طلب اليأس من الأمل هدنة ليوم واحد، وبعد مباحثات طويلة اتفقا، وأعلن قرار وقف نار اليأس، لكن الامل لم ينتصر، بات يفكر في الدفاع عن نفسه أكثر من الهجوم على اليأس، حدثني الأمل قائلاً: إذا حاول اليأس خنقك فامضِ نحوي، فإما أن تنجو أو تموت وأنت تحاول، مضينا في الحياة، نعلن عن انتصار مزعوم، لم يتحقق، أخبار سارة تدعو للأمل، ولكن لا أمل، كل شيء يأتي متأخراً، تذهب حلاوته وينعدم بريقه، حتى النساء اللاتي يأتين متأخرات، يحدثْنَك عن الحب بعد أن مضى ربيع الشباب في التفكير والسعي خلف الحياة وملاحقتها لننجو من الموت.

لم تنتهِ الحرب وما حصل كان مجرد هدنة بقي لها القليل وتنتهي، ولكن نسعى ونسعى، نجتهد أن ننجو وإلا نذهب ضحايا لليأس الجارف، عصر الجمعة ركبتُ الحافلة مرة أخرى، كنت جالساً هذه المرة استمتع بحصولي على مقعد في حافلة الحياة، فتحتُ كتابي قرأت بضع ورقات، وفي هذه الأثناء رن هاتفي فأجبت، أغلقت الكتاب ورحتُ أقلب صفحات التواصل الاجتماعي، كان الأمل يصدر تعليمات لجنوده، أن الهدنة قاربت على الانتهاء، وأن اليأس سيعاود الهجوم هذه الليلة، فاستعدوا لخوض الحرب، فما ينبغي أن نترك اليأس يعيث في الأرض فساداً، وما ينبغي لنا أن نقف مكتوفي الأيدي، فقد خلف كثيرا من الضحايا، في صراعات سابقة، الأمل يصدر التعليمات ويبث الحماس في نفوس اتباعه، يحثهم على الصبر والثبات في مواجهة اليأس، فالنصر صبر ساعة.

فجأة يطل علينا ملاك في الحافلة لا ندري نزل من السماء فاستقر في الأرض، أم هو ملاكٌ أنسي يمشي على الأرض، هنا أعلن الأمل عن وصول إمدادات وتعزيزات، وأن الأمل منتصر على اليأس لا محالة، وأن هذه الأنثى في ربيع العمر، احالتِ اليأس أملاً، والخوف شجاعة، والحزن فرحاً، والفشل نجاحاً، والقلق طمأنينة، والتردد والرجوع عزيمة، لقد هممتُ أن أقبلها: لكني تذكرت أن الملائكة لا يمكنني المساس بها، ولا ينبغي إفساد هذه اللوحة المزدهرة بقبلة آثمة، لقد شارف العام على الانتهاء بانتصار الأمل على اليأس، رغبة في أن ينتصر الحب على الحرب، والحياة على الموت، والنجاح على الفشل، والقوة على الضعف، والإيمان على الشيطان، والفضيلة على الرذيلة، والعلم على الجهل، والإصلاح على الفساد، والعدل على الظلم، والوعي على العاطفة، والحرية على العبودية، والألوان المبهجة على السواد، والسعادة على الشقاء، والاجتهاد على الكسل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.