شعار قسم مدونات

اقتصاد جذب الانتباه.. كيف توظف البيانات لخدمة منتجك؟

blogs بيانات

متابعة لسلسلة التدوينات المتعلقة بمجالات الاقتصاد الحديث في هذا العصر، والتي لم تكن معهودة في السابق، حيث سبق الحديث حول اقتصاد المعرفة والاقتصاد البنفسجي، وفي هذه التدوينة نتابع هذه السلسلة بالحديث حول اقتصاد الانتباه (Attention Economy) أو ما يطلق عليه أحيانا اقتصاد الاهتمام أو اقتصاد جذب الانتباه.

 

ربما كان هربرت سيمون (Hebert A. Simon في عام 1971) هو أول من تحدث عن مفهوم اقتصاد الانتباه، حيث لخص الأمر بقوله: في هذا العالم الغني بالمعلومات، تعني ثورة المعلومات ندرة شيء آخر: أي ندرة كل ما تستنفذه تلك المعلومات، وهو الاهتمام وانتباه الأفراد. هذا الفقر في الاهتمام "بمعنى آخر تشتيت الانتباه" الذي تخلقه وفرة المعلومات بحاجة إلى تحقيق التوافق بين الاهتمام والوفرة في المعلومات، أو بمعنى آخر، السعي لجذب الانتباه واستثماره لفترة أطول، وهو ما نشأت من أجله وتتحدث حوله مواضيع اقتصاد الانتباه.

 

يتضح من خلال هذا المفهوم أنه اقتصاد يتعامل مع (اهتمام او انتباه الأفراد) على أنه أحد الموارد التي يجب استغلالها والتركيز عليها، والانتباه سلعة نادرة كما وصفه ماثيو كروفورد، وللأفراد كمية محدودة منه. فالعقل البشري، أو العين تسعى لفلترة ما تراه ولا تهتم إلا بما يلفت الانتباه منه، وهذا محور الارتكاز لمن يدقق في هذا المفهوم ويعمل به. إنه بالفعل أمر جدير بالاهتمام، فجذب الانتباه استراتيجية فاعلة. وببساطة شديدة، تتمثل فكرة "اقتصاد الاهتمام" في إنشاء سوقٍ، سوقٌ الكل فيه سعداء ومرتاحون، فالمستهلك سعيد ومرتاح وسوف ينفق المال لشراء السلعة أو استخدام الخدمة، والبائع يسعده ذلك، والمُنتج ربما يكون الأكثر سعادة.

 

العاملون في حقل التفكير التصميمي والتصميم يمارسون توصيات علم اقتصاد الانتباه، وذلك من خلال تطبيق مفاهيم واجهة المستخدم User Interface وتجربة المستخدم User Experience ويرمز لها بالرمز UI/UX. فالمنصات والمتاجر تزخر بالتطبيقات الخاصة بالهواتف الذكية، ولكن التطبيق الناجح هو الذي يأخذ بالاعتبار حاجة المتصفح ويقود المتصفح في أقل وقت ممكن للخدمة المطلوبة، ضمن السهولة والمؤثرات الأخرى الضرورية، وبذلك يبقى المتصفح متعلقا بالتطبيق والخدمة، ولا يتردد في البقاء عند ظهور البدائل نظرًا لتجربته المميزة.

 

رسائل البريد الإلكتروني التي تصلك كواحد من ملايين الأشخاص المستهدفين، وتجدها في قائمة (الرسائل غير المرغوبة) هي واحدة من تطبيقات مجال اقتصاد الانتباه

هنا يجدر التنبيه، أنه يوجد فرق شاسع بين إرهاق الإنسان بكمية كبيرة من المعلومات والتي قد لا تكون ذات أهمية بالنسبة له، وبين استغلال المعلومات المتاحة بوفرة لدى المؤسسات المختلفة، وهذا ما يعرف بالبيانات الضخمة، وهو موضوع آخر. ما يقصد في موضوع اقتصاد الانتباه هو تمرير المعلومة المناسبة التي تشد الانتباه، سواء كانت مقروءة أو مرئية أو مسموعة، تخيل هنا أنك تمتلك المعلومة المناسبة أو المهمة، وفي ذات الوقت تمتلك الاستراتيجية التي تجذب الانتباه بكفاءة، هذا يعني أنك تمتلك الثروة، وهذا ما قاد الكثير من الباحثين وصناع القرار إلى التركيز أيضا على المعلومة بحد ذاتها وعلى حقوق ملكيتها.

   

أضاف الخبير في مجال الثقافة الرقمية كيفن كيلي مجموعة من اللمسات الهامة التي قد تزيد من قيمة المعلومة، أو تجعلها جاذبة للانتباه. هذه اللمسات أو كما أطلق عليها كيفن (Intangibles غير الملموسة) تشمل: السرعة أو الفورية في توفير المعلومة، وسهولة الوصول لها، وتفسير المعلومة، وإضافة اللمسة الشخصية دون النسخ والتقليد، وإظهار الفكرة بطريقة مبتكرة بالإضافة لتفاصيل أخرى.

  

يطبق مفهوم اقتصاد الانتباه بشكل واضح في الشبكات الاجتماعية، فإدارة المحتوى على الصفحات الشخصية للأفراد والمؤسسات، كذلك التفاعل مع آراء المشاهدين وتعليقاتهم، هو أحد التطبيقات المهمة لاقتصاد الانتباه في المجال الاجتماعي. وعلاوة على ذلك وفي شأن متصل بثورة المعلومات وانتشار الإنترنت، يطبق اقتصاد الانتباه في عمليات الترويج والإعلان، وفي رسائل البريد الإلكتروني. فنظام الإعلانات المدفوعة الذي تطبقه جوجل من خلال خدمات (Google AdSense) يتم بناء على علم باهتمامات الشخص المستهدف، هذا الاهتمام الذي تصنعه بنفسك من خلال تصفحك للشبكة العنكبوتية، وتدركه جوجل وفيسبوك ويوتيوب من خلال الخوارزميات التي صممتها خصيصا لهذا الهدف.

  

أيضا رسائل البريد الإلكتروني التي تصلك كواحد من ملايين الأشخاص المستهدفين، وتجدها في قائمة (الرسائل غير المرغوبة) هي واحدة من تطبيقات مجال اقتصاد الانتباه. أبسط من ذلك، أثناء لمتابعتك لبرنامج وثائقي أو فيلم، وظهرت لك كلمة "عاجل" فإنك سوف تصرف نظرك إليها مباشرة وتهتم بما يرد بعدها، وهذا جذب واضح للانتباه. أنت تتصفح الشبكة العنكبوتية وتبحث عن مقالة أو صورة أو فيلم أو وثائقي وهم يرصدون اهتماماتك ويصنعون منها ثرواتهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.