شعار قسم مدونات

لماذا كرهت مسلسل جيم أوف ثرونز

blogs - Game of ThronesKit Harington

على خلاف الجميع فعدائي لهذا المسلسل لم يكن نابعًا من الانحلال الأخلاقي والأفكار الشاذة التي يحملها لأني لم أُشاهد أيًا من حلقاته لأحكم عليه، بل كانت علاقتي الأولى به رسالة تركها أحدهم قبل انتحاره كان يحكي فيها عن أعراض اكتئابه الذي حاصره لمدة طويلة وكيف أنه صار ملازمًا له وأنه ما عاد يستشعر بوهجٍ أو حماس في الدنيا كله ولولا جيم أوف ثرونز لما حظي بكل هذا الوقت وكان قد انتحر منذ زمنٍ بعيد.

  

تخيل أن تكون كل علاقتك بالحياة وتشبثك بها هو مسلسل، رُبما للأمر أبعاد نفسية أكثر وأنا لست أهلًا للخوض فيها ولا اعلم تجربته الكاملة ولا أي ظروف مرّ بها، بالطبع تتساءل في ذهنك لو أن مسلسل هو الذي جعله يحظى بساعات أكثر في الحياة فهذه دعوى وشهادة نجاح للمسلسل أكثر، رُبما هذا عمل بطولي بالفعل ما يمنع الإنسان من أن يؤذي نفسه ولو لفترة فهذا يجعله يستحق أوسكار أو جائزة بطولية.

 

ربما هنالك أفكار شاذة أو عنف لو كنت قابلته في الشارع لرفضته رفضًا بالغًا، لكنه حين يظهرونه مُتلفزًا في صورة برّاقة لامعة تجعلك تتقبل هذا العنف وتتبني هذه الأفكا

لكن من وجهة نظري أن الموضوع أوسع من هذه الرؤية، من رأيي أن مثل هذه المسلسلات هي السبب الأول في عدم رضانا عن حياتنا، تخيل أنك تُشاهد على الدوام أفلام السوبر هيرو والأشخاص البطولية وحياتهم المليئة بالضجة والإثارة على الدوام المُوفَّر لهم كل المُتع ورُبما الحياة كلها بُسِطَت تحت أقدامهم، ثم تعود وأنت مُحمَّل بكل هذه الضجة داخلك لتمارس حياة حتى لو لم تكن مُملة فهي بالطبعِ مُقارنةً بهذه الأفلام ستكون كذلك فيتسرب لنفسك شعور بعدم الرضا عن نفسك وعن حياتك سُرعان ما يُحال مع نفس الوتيرة وسلسلة التكرار اليومية ومع بعض المخلفات العاطفية والتفاعلات النفسية التي لابد وأن نخوضها يوميًا يتحول كل هذا بداخلك إلى توتر ومن ثمّ إلى اكتئاب بالغ وعدم رضا لأنكِ تُقارن حياتك بتلك، وتتمنى أن تكون هذه الأخرى حياتك، أن تُضفي بعضًا من هذه الإثارة على حياتك الكئيبة ورُبما تهرب من حياتك لها ف تظن أن هذه الأفلام هي الشيء الوحيد الذي يُشعرك بالحياة.

 

لو عُدنا للماضي لوجدنا أن حياتنا كانت هادئة نسبيًا مقارنة بما نحياه الآن، لرُبما وجدت مشاكل أصعب ورضًا أكثر رُغم أنهم لم يحظوا بهذا الكم الهائل والوفرة في كل شيء ولم ينعموا مثلنا بهذا الانفتاح، لو تُشاهد الأفلام في ظنٍ منك أنها لن تؤثر فيك فعليك إذا أن تُعيد نظرتك أو تطلع إلى آليات الحكومات لتغيير وجهة نظرك تجاه شخص أو رسالة أو إقناعك بفكرة وأنّ إحدى أهم أو أولى هذه هي الترويج لها على التلفاز في صورة مسلسل أو فيلم وغالبًا ما تنجح هذه الطريقة وتكون الأكثر تأثيرًا، كما يمكنهم هندسة أفكارك وسلوكك وإعادة تعبئته في الوعاء الذي يريدوه فقط من خلال شاشة التلفاز.

 

ربما هنالك أفكار شاذة أو عنف لو كنت قابلته في الشارع لرفضته رفضًا بالغًا، لكنه حين يظهرونه مُتلفزًا في صورة برّاقة لامعة تجعلك تتقبل هذا العنف وتتبني هذه الأفكار، ورُبما تجد مراتٍ أُخرى وجود لامبالاة مُتفشية وسط المجتمع تجاه شيء يستدعي تعاطفهم، إلا أنهم يُقابلوه بلامبالاه لكثرة ما رأو مثل هذا العنف وأكثر على شاشات التلفاز فصارت مثل هذه المشاهد مستساغة لهم ولا تُحرك فيهم ساكنًا، أو فوز مرشِّح معين في الانتخابات رغم أن منافسه أكثر أهلية لهذا المنصب ليس لشيء سوى أنّ الإعلام تبنى حملة دعائية قوية له فتجد نفسك ترضخ لها رُغمًا عنك.

 

قد تجد انهيارًا إجتماعيًا وأسريًا هائلًا بمجرد عرض مسلسل يحكي عن بطل في ظل ظروف برّاقة يُسيء لزوجته أو مجتمعه، لكنه رُغمًا عن هذا يُظهروه في صورة جذّابة مثيرة تجعلك تندهش بها وتحب أن تُحاكيها، حتى ولو ظننت نفسك مُحصنًا كفاية أو أنك متوازن نفسيًا وسلوكيًا وأن مثل هذه الأفلام لن تؤثر فيك فأنت إذًا خاطئ فالضرر بالغ ومؤكد أنه سيصيبك ليس فجأة ولكن تدريجيًا ولكثرة مشاهدتها ستسيغها بعد ما كنت تستنكرها، وتتبناها بعدما كنت تستقبحه، يا صديقي بينما يمنحك الفيلم ترفيهًا واسعًا لكنه يمنحهم ما هو أهمّ ولو توقفت لوجدتك لبست الثوب الذي أرادوه لك من خلاله، وأنهم نجحوا في ترويجهم لفكرتهم وأجادوا نمذجتك وفق ما أرادوا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.