شعار قسم مدونات

الصحافة الصفراء وألوان أخرى

مدونات الصحافة

تشهد مجتمعاتنا المتخلفة والمتأخرة بسنواتها العجاف عدة إشكالات تضر بموقعها الجيواستراتيجي،  يقابل هذا المجتمع إعلام مهرول ومتشظ العطاء لا يبحث عن الخبر ويضعه في مصانع التحليل وإنما يتناول القضايا والمشكلات من باب التهليل والعبدلة، يمجد أصحاب القرار ويمقت الفقراء والمساكين، يقول مالا يفعل، الصحفي نفسه مشحون بأمراض مجتمعية متراكمة لا يجد مخرجا لذاته المندسة في مطبات سلطة القبيلة وقوانين العادات والتقاليد والعرف الذي أفسد أي تجديد في ظل صورة الدولة المتآكلة والتي لا تدير الحكم بالقوانين المعطلة أصلا،  وسُجن الدستور في زنازين المسؤولين الذين يبيعون ويشترون ذمم الناس ويموهون الحقيقة في طرقات الرشاوي والاختلاسات.

 

من هنا وقف كل شيء وتم إعلان حالات الطوارئ في جميع مجالات الحياة، القانون متوقف إلى إشعار آخر، صحافة تنْحت وتضرب في رزق عباد الله المستضعفين، مؤسسات تسير في طرقات المجهول واللاممكن،  بلد يتمزق بسكاكين وخناجر بني جلدته،  مطبلين اتخذوا من الصحف والتلفزة الصفراء مقرات لهم،  من هناك يبثون سمومهم إلى ما وراء اللاشيء في تقديم وعود حسب العرض والطلب لحكومة تُركع شعبها على الجوع والفقر وتولغ في دماء وحقوق بشر أماتتهم بالأماني والوهم الممحوق.

 

إعلامنا الخاص فقد ارتبط بأسماء وشخوص مسترزقة لا تقدم ولا تأخر بما تقول لأنها شوهت المشهد الإعلامي فساهمت في إثارة الكثير من النعرات الطائفية والقبلي
لماذا الصحافة الصفراء بدلا من لون آخر؟

الوسائل الإعلامية التي لا تقدم أخبارها بمهنية وشفافية هي تلك التي يطلق عليها الصحافة الصفراء أو تلك التي تداهن على الحقائق وتعطيها طابع التشويه والبعثرة، أطلق هذا اللقب لهذه الصحافة التي ظهرت في ﻋﺎﻡ 1896 لوصف ﺍﻷﺳﺎﻟﻴﺐ التي أستخدمت ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ ﺍﻟﺸﺮﺳﺔ ﺑﻴﻦ ﺻﺤﻴﻔﺘﻴﻦ ﻣﻦ ﺻﺤﻒ ﻧﻴﻮﻳﻮﺭﻙ،  ﻭﻫﻤﺎ ﻧﻴﻮﻳﻮﺭﻙ ﻭﻭﺭﻟﺪ، ﻭﻧﻴﻮﻳﻮﺭﻙ ﺟﻮﺭﻧﺎﻝ – ﺃﻣﻴﺮﻛﺎﻥ التي أعطت طابعا آخرا في تقديم الخبر عبر تناولها للقضايا المثيرة للجدل والتي تطرح في الساحة والقالب الأعم في تبسيط الصورة الخبرية التي يرسمها في الوقت ذاته الفنانون الذين رسموا الطفل الأصفر الذي مهد لصحافة جديدة وأشعل الشارع في تقبل ذلك النوع ما يعني أن هذه الصحف بدأت في قولبت الواقع وميلاده بقارئ ومتابع حسب مقاساتها.

 

وانحدرت ﺻﺤﺎﻓﺔ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﺍﻷﺻﻔﺮ إلى صحافة انتقلت من الصورة الخبرية المشاهدة بالرسوم إلى صحافة خبرية تسرد الكذب والأخبار المنتهية الصلاحية في التقبل إلى الصحافة الصفراء بدلا من الطفل الأصفر، هذا كله تاريخ غابر استطاع أن يفرض حربا إعلامية داست بكرامة جمهورها وفضلت بأن تسترزق من إثارة النعرات والقضايا التي تذهب لتناولها حتى تضمن وجودها ولا يهمها مواثيق الصحافة أو إتباع أي خط يرفع الصحافة إلى مقامات المجد في إعلام محايد.

 

في داخل هذا البلد الذي يتوسط القارة السمراء جغرافيا (تشاد) ويتخذ من خليط الشارع لينوع في اثنياته وعرقياته تنطلق وسائل إعلامية ممحوقة يدير آلتها في نقل القضايا بعيدا أي من المهنية والشفافية والحيادية التي انتهكت في التجاوب معها،  ما يعني أن القارئ نفسه تحيط به هالة من الوهم ليصبح سلة مهملات لهكذا إعلام مسترزق بأنه يتابع صوره المشاهدة ويفصل لها مقاسات تتماشي مع ميزاجياته ليكيل التهم والشائعات ليقبض ثمن ما يقول من شخصيات نافذة في البلد يتململون من أي شيء يمس ذواتهم المهزوزة والمتنكرة ما يعني أن الفساد وتسلسل هرمياته صار محميا من صاحبة الجلالة التي غضت الطرف عن ما يجرى وما كان وما سيكون.

 

المسافة بين الإعلام العام والخاص ماذا يدور في الكواليس؟

في هكذا مسميات من هكذا إعلام بشقيه العام والخاص يتمدد الخلل شبر جثته ويغوص في العمق ليبرهن الهُوة التي سببت في خللها الوسائل التابعة للدولة والتي تستغلها الحكومات بدون أن تراعي أي من مشاعر المتاعب والمشاهد، وهذه الوسائل هي نفسها بدأت تتكابر وتتعالي على جماهير هذا الشعب الذي يتابع هكذا وسائل لمعرفة ما أغترفته الحكومة من تجاوزات يسلجها وينقلها التلفزيون الوطني بتقارير هزلية وفاضحة يقرأها جماعات دخلت الحقل الإعلامي عبر الوساطات والنفوذ فيقدمون أي شيء يخطر ببالهم بلا أي معايير أو ضوابط.

 

أما الأخطاء اللغوية والنحوية فإنها مسيلة للضحك الهستيري، أما إعلامنا الخاص فقد ارتبط بأسماء وشخوص مسترزقة لا تقدم ولا تأخر بما تقول لأنها شوهت المشهد الإعلامي فساهمت في إثارة الكثير من النعرات الطائفية والقبلية لتفتح منابر للتراشقات والقُوالة، صحافتنا ليس لها لون ولا طعم ولا رائحة فيما تقول فعطلت ذاتها المسربلة في ركب المصالح وداست بهذا البلد بفك أنيابها لأنها صفراء مفرقع لونها لا تسر المتابعين وغيرهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.