شعار قسم مدونات

عز الدين المدني.. نهاية رجل شجاع

blogs عز الدين المدني

تابع الرأي العام في تونس تصريحا للكاتب الكبير ورائد التجريب في تونس بروايته الرجل الصفر عز الدين المدني حول عدم توفر المشهد الثقافي في تونس على الرواية والقصّة القصيرة، وقد عزا المدني تصريحه هذا إلى ترهل واقع السرد التونسي وعدم قدرته على اللحاق بقطار السرد في العالمين العربي والعالمي. وفي هذا المقال سنسلّط الضوء على واقع السرد في تونس والعالم العربي على ضوء تصريحات كاتب كبير في حجم عز الدين المدني ولا اخاله قد تجرّأ على هذا التصريح دون حسابات مسبقة او تفكير في تبعات هذا التصريح.

 

في البداية نشير إلى أن الحديث عن الرواية أو الدراسة الروائية أو القصّة او الدراسة القصصية، يتطلب من الباحث التعريج على الأسلوب ضرورة، لأن هذا الأخير، هو الذي يعرف الكاتب ويميز بين عمله وعمل الأخر، ومن خلاله نستطيع أن نحكم على جمالية الأعمال ودقتها. فالأسلوب إذن هو مبدأ الاختيار ضمن إمكانات اللغة، والألفاظ، والتراكيب النحوية، التي تصل أحيانا إلى درجة من الدقة والصنعة الفنية التي لا يمكن تجاهلهما.

  

عرفت المدونة السردية التونسية كاتبا وقاصا في حجم علي الدوعاجي التي تجاوزت مؤلفاته 250 مؤلفا جلها جاء باللهجة العامية

وبناء على ما تقدّم ظهرت في الواقعين التونسي والعربي موضة أدبية جديدة وهي الكتابة باللهجة المحلية أي الدارجة حيث تركت اللغة العربية القحة جانبا. فخلال الدورة الأخيرة لمعرض تونس الدولي للكتاب، وجد أصحاب دور النشر والكتّاب رواجا لافتا للانتباه لكتب صدرت باللهجة المحلية ضمن طبعات فاخرة نذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر رواية ولد فضيلة لأميرة شرف الدين، وروايتي الفينقة والخطيفة لأنيس الزين، ايضا أسرار عائلية ومن الحب ما فشل لفاتن الفازع. كما ترجمت إلى اللهجة الدارجة أعمال أدبية وفكرية عالمية مثل ترجمة ضياء الدين بوسالمي لرواية الغريب للكاتب والفيلسوف الفرنسي الشهير ألبير كامي، وهي من كلاسيكيات الأدب العالمي، وأيضا ترجمته لـقصة العين لجورج باتاي إضافة لترجمة مجد مستورة لكتاب لفليب دي جاردان تحت عنوان الشأن العام أيضا باللهجة المحلية التونسية.

  

وأذكر هنا مقدّمة الدكتور الكبير محمد الباردي في كتابه تأملات في الرواية التونسية حيث قال: منذ زمن كنت أفكر في تأليف كتاب عن الروايةِ التونسيةِ. فكثيرةٌ هي النصوص الروائية التي ملأت دماغي، فكتبت عن بعضها في الصحف وظل بعضها الآخر عالقا في مخيلتي في انتظار الفرصة الملائمة لأتحدث عنها. ولو أخضعنا هذا القول إلى مبضع التحليل سنرى بأنّه قول يحيل على كون الباحث قد اعتمد في الكتاب على ثقافته الشخصيةَ وما عَلِق بذاكرته من أثرٍ أثناء قراءته للنصوص الروائية التونسية. فهو إذن كتاب في النقد الأدبي، أو هو في أدب المحاولة، باعتبار أن المحاولة، على حد قول الفرنسي سيباستيان هوبيي، تتمثل في مواجهة التجارب الشخصية والقراءات واللقاءات بغية الوصول إلى استنتاجات عامة أو تدقيقا بغية اقتراح هذه الاستنتاجات على القارئ.

 

وبما أن المحاولة تُنسب إلى جمالية غير منتهية فهي تريد أن تكون تسجيلا لفكرة أولى قابلة للتحوير والتدقيق في وقت لاحق. وكنتيجية ابستمولوجية لهذا يدور في الوقت الرّاهن نقاش عميق بين المثقّفين والأكاديميّين حول علاقة الأدب بالتّاريخ وهو إشكال كان قد طُرح في الغرب منذ عقود خلت عن طبيعة المعرفة السّرديّة هل هي تاريخ؟ وعن طبيعة التّاريخ هل هو سرد؟ ومما لا شكّ فيه أن أسئلة كثيرة من هذا القبيل طُرحت على النقّاد والمؤرّخين والباحثين على وجه العموم. وقد لاحظ عدد غير قليل من المهتمّين بكلا المجالين الفنيّ والعلميّ، أنّ نظام المعرفة في حقبة الحداثة المتأخّرة ما بعد الحداثة يتميّز بتداخل متين لمختلف الفروع المعرفيّة، وأنّ البنية الكبرى أو النّسق الخفيّ لولادة المعارف واحتضارها واحد، قياسا إلى تعدّدها واختلافها.

 

وعرفت المدونة السردية التونسية كاتبا وقاصا في حجم علي الدوعاجي التي تجاوزت مؤلفاته 250 مؤلفا جلها جاء باللهجة العامية، لكن إذا كان الجانب الأجناسي يثير مثل هذه الأسئلة البالغة التعقّد فإنّ طبيعة جنسه الأدبي مهما كانت لا تمنع إمكان انصهاره من جهات أخرى في تجربة السرد الأدبيّة، لا سيّما أنّ لهذا المبدع المتعدّد المواهب أسلوبا متمّيزا في الكتابة وتوجّها فكريّا واضحا إن لم يكن والحقّ يقال عميقا مثلما هو الحال عند محمود المسعدي أو حتّى البشير خريّف، بلورت خصائصهما الدّراسات والبحوث الكثيرة التي تناولت قصصه إلى حدّ أن أضحت معلومة متداولة.

 

في الختام، نشير إلى ما قاله عز المدني حول غياب الابداع الروائي والقصصي في تونس يحتمل قراءتين متناقضتين: قراءة أولى تجيز ما قاله إذا ما رأينا واقع المشهد السردي التونسي، وقراءة ثانية ترى في تصريحه الكثير من الغجحاف خاصّة وإننا نرى أصوات شابة قد تبشّر بكل خير. فهل يكون تصريح المدني نهاية رجل شجاع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.