شعار قسم مدونات

لماذا لا يثق أغلب الأكراد السوريين بالخطاب العربي والإسلامي؟

blogs الأكراد

لم يعد ممكناً القبول بخطاب ممجوج ومكرر من قبل الكثيرين من المتحدثين العرب والمسلمين عن الكرد عموماً والمسألة الكردية وخصوصاً في سوريا، والسبب يعود لخضوع هذا الخطاب لتعميمات تعسفية وطريقة تفكير سطحية حيث الغياب سيد القرار والاصطفاف الحاد والتنميط الإعلامي والقصور في النظر والغبش والتشويش. إن غالب السوريين يجهلون بعضهم بعضاً، وهم في المخيال الاجتماعي يملكون صوراً جاهلة بغيرهم وعلى حد تعبير الأستاذ نوبار محمد ولدى شريحة لا بأس بها:

 

– الكردي بويجي

– الدرزي يعبد البقر!

– المرشدي يوم عيدهم مشاع وحرام يختلط فيه الحابل بالنابل!

– العلوي رجل أمن بلا دين ويبيع القرود!

– السني إخوان ووهابي!

 

لقد سكت الكثيرون من العرب والمسلمين على مجازر صدام حسين في العراق ضد الكرد بحجة أن صدام عربي سني حسين يقف في وجه المد الإيراني الشيعي وهو يمثل الإسلام

لقد تم وضع حاجز إسمنتي بيننا جميعاً تحت يافطة (تهمة الطائفية) أو (باسم العربية السورية) ومارست السلطات الاجتماعية التجهيل السياسي والمجتمعي لكل المكونات والتي غيبت بسياسة حزب البعث. لقد بتنا نخشى أن نطلع على بعضنا البعض أكثر. أليس غريباً أن الفيلم الوثائقي الوحيد عن (العلوية) نشرته قناة الـ بي بي سي وتم تصويره في تركيا!.. أليس من العجيب أن معرفتنا بـ (الدروز) بشكل جيد كان من خلال فيلم وثائقي نشرته قناة الجزيرة وكان معظمه في لبنان!.. أليس من غير الطبيعي أننا إلى اليوم لا نعرف بعضنا البعض جيداً، رغم أننا جميعاً نعيش في وطن واحد.. أليس الجهل فيما بيننا سبب من الأسباب التي رسّخت أفكاراً منحرفة عن بعضنا البعض، عن اتهامنا لبعضنا البعض بتصرفات ومعتقدات غريبة في أكثرها. وذهب البعض إلى معالجة المشكلة المجتمعية التجهيلية بمشكلة أكبر فتعمق الخلاف وتجذر. وتجلى هذا في الشأن السوري الكردي أكثر، حيث وقع   الخطاب العربي والإسلامي في فخ الجهل الذاتي والاصطفاف الحزبي والرؤية الضيقة المبسطة والمخلة بل والأحكام غير الموضوعية. يتوجب على الخطاب العربي والإسلامي الترفع عن ثلاثة قضايا في التعامل مع هذا الملف الشائك:

 

فكرة الرابطة الدينية:

فقد فشل العرب والمسلمون في تحقيقها بينهم، فكيف يستطيعون التعويل عليها في العلاقة مع الآخرين من الكرد السوريين وإقناعهم بها. إن المشهد السوري العام وفي علاقته بالدين مؤلم حيث تم:

1- تحويل الدين إلى ستار سياسي استغلته بعض الأنظمة العربية والتركية والإيرانية. إن فكرة (واعتصموا بحبل الله جميعاً) و(إنما المؤمنون أخوة) باتت في ظل الإسلام المتفرعن جزء من الاعتصام بالعصى السلطوية المحققة للمصالح وليس للمصلح الصالح..
2- استثمرت الجماعات المتعددة الهويات الدين واستباحت الحق الكردي تحت كلمة: (الله أكبر) و(جيش محمد) و(سورة الفتح) و(الأنفال).

3- تم تأميم الدين نفسه وبات الدين ممتحناً بكسر قيمه وظهره على يد المافيا السياسية وتجار الحروب وعلماء السلاطين فكيف يستطيع المكسور جبر مكسور مثله.

 

في جانب آخر إن الكرد في سوريا يعدون مزيجاً غير متجانس من المكونات، صحيح أن عامود الكرد المذهبي في الغالب (سني) ولكن ماذا عن الكردي الإيزيدي؟ والكردي اللاديني؟ والكردي المسيحي؟ واليهودي الكردي؟ والكردي العلوي كيف سنتعامل معهم؟ هؤلاء كرد ويعتزون بقوميتهم ولا يمكن القبول بالرابطة الدينية. كيف سيفرق عوام الكرد أن من هجرهم من أراضيهم ونكل بهم هم أدعياء دين وليسوا أصحاب دين أو أتباع الدين الاصطناعي وليسوا هم الأصل؟ عامة الكرد كعامة الشعب العربي لا يملكون أي كفاءة للتفريق بين النص والممارسة وبين القناع والحقيقة؟

 

لقد شنت غالب الغارات المتتالية على الكرد في الراهن المعاش تحت راية مشوهة للدين استثمرها السياسي. فهل سيعرف العربي والمسلم سر انكماش الكرد السوريين عن الدين وفقدهم الثقة به. إذا عرف العربي والمسلم ذلك ينصف بذلك نفسه ودينه والكرد أيضاً. إن تجنيب الدين الخطاب الكردي سوف يعيد للدين رونقه وثقة الكرد فيه من جديد حيث لا استغلال له ولا استغلال لهم باسمه. لقد أفضى استثمار الدين سلبياً من قبل حكومات وأحزاب وأجهزة وجهات واجهوا الكرد إلى ردة فعل من الكرد فـ:

أ‌- تنصل الكثيرون من الكرد من الدين ومن مرجعياته ومن شخصياتهم التاريخية.

ب‌- بعض المحتقتين الكرد حملوا صلاح الدين الأيوبي فشله في إقامة دولة كردية. إنني أقر بقيمة الخطاب الديني والأخوة الدينية ولكنها مع أهميتها غير كافية. المفردات والمضامين الدينية يمكن أن تكون حلاً بعيداً عن أجواء الحروب وبعيداً عن حالات الانفعال والاحتقان.

 

ولكن للأسف بسبب بغي السياسي تحول الخطاب الديني والأخوة الدينية إلى مشكلة بل وعامل تفريق. الإسلام وليس المسلمين يملك قدرة على الاحتواء للتنوع على قاعدة من المختلف يومض المؤتلف شريطة أن يتم منع السياسي من امتطاء ظهر الدين والاكتفاء بتسويق الدين وكأنه جزء من قومية ما أو تبرير لسياسة حاكم ما.. إن تزوير مفهوم الرابطة الأخوة الدينية دفع ببعض الكرد للاعتقاد بأن الدين معطى عربي لا معنى رباني رحماني إنساني وذلك لأمرين:

 

1- التواطؤ الإسلامي مع المجازر التي وقعت بحق الكرد:

لقد سكت الكثيرون من العرب والمسلمين على مجازر صدام حسين في العراق ضد الكرد بحجة أن صدام عربي سني حسين يقف في وجه المد الإيراني الشيعي وهو يمثل الإسلام. فهل هذا ما يأمر به الدين؟ وفي الواقع السوري صمت بعض الإسلاميين عن مجازر وترحيل وتغيير ديموغرافي ونزع الممتلكات للكرد في عفرين والمناطق الكردية. بل إن بعض الطاعنين في الظهر من الإسلاميين باركوا لأردوغان حربه على الكرد حتى بات الكثيرون من الكرد يعتقدون الأخوة الدينية يقوم على طمس هويتهم وممارسة الوصاية الأخوية وكان الكردي هو الأخ الصغير.

 

2- تحويل الدين إلى سيف في مواجهة القومية حيث يدعي الكثير من الإسلاميين أن الدين يلغي القوميات بل ويصادرها وعدوا أن القومية نتن ينبغي نبذه وهذا من الغلط البين فالنبي الكريم كان يفتخر بقوميته وفي مجلسه الطيب اجتمع الصحابة من كل الجنسيات على القيم وليس على إلغاء القوميات.

3.استلاب الحق التاريخي بناء على الجغرافية السياسية المفروضة: لقد فرضت شرعية القوة وليس قوة الشرعية جغرافيا سياسية على الجميع، وسلبت أملاك ومنحت لآخرين. طال التحريف والتجريف الجغرافي السياسي الحق الكردي وغيره، ولكن ليس من المعقول ولا الوطنية ولا الديانة نسف تاريخ الشعب الكردي وحقوقه ووصفهم بالقرباط أو البدو أو أنهم من المحدثين في هذه البلاد، إن التغيير الديموغرافي الذي حصل في الغوطة وفي عفرين وفي الشمال السوري بل في سوريا وبات لا يخفى عن أحد كما لا يمكن تصديقه ولا يمكن الإقرار به.

 

كيف سنصدق حقاً ضاع بسبب الفرض السياسي؟ هل تقادم الزمن يبطل حق شعب في أرضه بناء على الإقرار العالمي السياسي وقوة الاحتلال؟ لماذا يقدس البعض الحدود السياسية التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو بينما لا يوقنون ولا يقيمون أي قداسة لحدود الله المتمثلة في حق الشعب في تقرير المصير وإقامة حكم يعبر عنهم. موضوع التاريخ المزيف واستدعاء تلفيقات لن ينتصر بذلك كردي ولا عربي على الخطاب العربي والإسلامي الترحيب بالاستقلال الكردي إذا لم يسلب حقاً فمجاورة بالإحسان غير من مساكنة بالإكراه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.