شعار قسم مدونات

حراك الجزائر.. جهود في مهب الريح!

blogs الجزائر

في تصريح إعلامي للناطق الرسمي السابق لحزب التجمع الوطني الديمقراطي كشف فيه أن زعيم الحزب في اجتماع لمناضليه بعيد انطلاق حراك 22 فبراير وصف الأخير مستصغرا له بأنه "الريح في الشبك"، لعل القائل لم يكن يدرك حينها أن رياح الحراك ستحمله إلى شباك السجن الذي يقبع فيه الآن، لكن بعد 37 أسبوعاً من الحراك قامت السلطة المستقلة للانتخابات الوليدة حديثا بالكشف عن المرشحين المقبولة ملفاتهم لخوض غمار الانتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها في 12 ديسمبر القادم والتي أثارت الجدل وقسمت شباب الحراك بين مؤيد ومعارض لها، حيث ضمّت قائمة المقبولين خمسة أسماء يعتبرها الكثيرون محسوبة على نظام بوتفليقة وتسعى إلى رسكلته مما أعاد مقولة أن الحراك مجرد ريح في الشباك إلى الأذهان، وذلك بعد الخيبة التي أصيب بها مؤيدوا هذه الانتخابات. فهل فشل الحراك فعلا وراحت جهود شبابه هباء منثورا؟

إن توجس الجماهير المنتفضة في فبراير الماضي من جميع النخب وفقدان الثقة فيها دفعها إلى الرفض المطلق لتمثيل الحراك مما ساهم في حمايته من ركوب موجته أو وضعه تحت المساومة بتحويله إلى شبه حزب سياسي، لكن الأمر كان سلاحا ذا حدين حيث أدى رفض التمثيل إلى إضعاف شوكته أمام السلطة وتغوّل الخطاب الشعبوي عليه وتعدى الأمر إلى رفض شباب الحراك محاولات الناشطين بلورة مطالب الحراك بحجة رفض التكلم باسم الحراك، حتى صارت مشاركة الكثيرين في حراك الجمعة لغوا لا يختلف عن اللغو في صلاة الجمعة وصارت السلطة تجاريه غير آبهة به وهي ماضية في خطتها التي أفصح عنها رئيس الدولة في لقائه مع الرئيس الروسي على هامش القمة الروسية الإفريقية بسوتشي حيث أعلمه أنها في آخر مراحلها.

نه من المبكر الحكم على مدى نجاح أو فشل حراك 22 فبراير في تحقيق غايته خاصة بعد عودة الزخم إليه في آخر جمعة والموافقة لأحد أقوى الأيام رمزية لدى الجزائريين

إن رفض التمثيل أدى أيضا إلى إستحالة المشاركة في حوار ما أسمته السلطة "الهيئة الوطنية للحوار والوساطة" الذي سبق تأسيس السلطة الوطنية المستقلة للإنتخابات حيث أقامت سلطة الواقع بذلك الحجة على مقاطعيه بعجزهم عن تقديم البديل وذلك بغض النظر عن كونه حوارا حقيقيا أم صوريا فقط. كما شملت مقاطعة الحوار أغلب النخب السياسية من أحزاب وشخصيات معارضة وذلك لتمسكهم بشرطي رحيل الوزير الأول ورئيس الدولة للمشاركة والمطالبة بتقديم الضمانات الكافية لجدواه.

بعد سقوط ما عرف بزمرة بوتفليقة تحت ضغط الشارع الذي أفضى إلى تدخل قيادة الجيش، قامت سلطة واقع جديدة سرعان ما أعلنت عن حملة حرب على الفساد بسجن بعض رموز النظام المتورطين في قضايا فساد، حيث أثارت هذه الحملة انبهارا لدى قطاع واسع من الحراك مما شكل أولى بوادر انقسامه بين مؤيد ومعارض لها وهو ما استثمرت فيه الأخيرة بتوظيف خطاب المشاعر ومغازلة الشارع برفع الشعارات الوطنية من أجل استمالته بما قد يضفي نوعا من الشرعية على بعض ممارساتها وقراراتها وغض الطرف عن بعضها الآخر كسجن النشطاء المعارضين أو منع الإعلام من تغطية الحراك، أو السعي إلى تنظيم انتخابات لا تقدم فيها الضمانات الكافية.

تصر سلطة الواقع على انتهاج سبيل القرارات الأحادية فتصم آذانها عن صوت الشارع وتضرب عرض الحائط كل المبادرات التي تصدر عن شخصيات أو هيئات وطنية من أجل حلحلة الانسداد وتوظف الإعلام الذي تحتكره لشيطنة أصحاب المبادرات وها هو رئيس الدولة -المرفوض شعبيا- يلمح عشية الفاتح من نوفمبر إلى تهديدات أرسلها إلى جهات تحاول إعاقة المسار الانتخابي المصيري حسبه. إن هذا الإصرار قد يوحي بفشل الحراك في بلوغ غايته المتمثلة في ممارسة الشعب حقه في السلطة وتصييره مطية لأطراف في السلطة بهدف تصفية حساباتهم الضيقة مع خصومهم ومنافسيهم.

إنه من المبكر الحكم على مدى نجاح أو فشل حراك 22 فبراير في تحقيق غايته خاصة بعد عودة الزخم إليه في آخر جمعة والموافقة لأحد أقوى الأيام رمزية لدى الجزائريين المتمثل في الفاتح من نوفمبر يوم تفجير ثورة التحرير سنة 1954، كما أن الإعلان عن قائمة المرشحين للإنتخابات ديسمبر أثار سخطا كبيرا لدى مؤيديها كما أثار حفيظتهم على النوايا الحقيقية لسلطة وثقوا فيها وفي خياراتها، ويُرتقب تبعا لذلك استرجاع الحراك لحركية أكبر وعودة الجماهير إلى الشارع من جديد، ولكن برؤية أكثر وضوحا تتسم بعدم التعويل إلا على الضمانات الملموسة والحلول التوافقية عوض الاطمئنان إلى الشعارات والوعود والممارسات الفوقية فضلا عن التمسك بالسلمية المعهودة والحضارية المشهودة.

سواء نجح الحراك الشعبي في الجزائر في تحقيق غايته أم لا فإنه لا يمكن إنكار حقيقة تحقيقه لعديد الأهداف لعل أهمها كسر حاجز الخوف الشعبي، وجبر تلك القطيعة بين الجماهير وواقعها السياسي مما خلق تغييرا ملموسا في ميزان القوى، وهو ما يمكن اعتباره بذورا زرعها الحراك ويرجى قطف ثمارها في الأمد البعيد إن لم يكن القريب، على غرار أحداث أكتوبر 1988 -المؤسفة- التي كانت السبب المباشر لانفتاح البلاد على عهد التعددية السياسية والإعلامية، ولعل من إنجازات الحراك السياسية إنشاء ما أطلق عليه السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات التي حتى لو كانت تعتبر صورية في نظر الكثيرين إلا أن وجودها النظري يمكن الاستثمار فيه قانونيا وسياسيا في المستقبل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.