شعار قسم مدونات

هل يمكن لاقتراحات النخب العراقية أن تقف بوجه الفساد؟!

blogs العراق

يعيش العراق الآن مرحلة الأزمة السياسية والاجتماعية، الحراك الشعبي الآن الذي يجتاح العاصمة بغداد والمحافظات الجنوبية، يعبر عن غضب غير مسبوق إضافة إلى العنف غير المسبوق الذي رافق هذا الحراك، يطلق المتظاهرون على حِراكهم هذا "الثورة ضد الفساد"؛ معبّرين عن رفضهم التام للعملية السياسية، بل والنظام السياسي الذي من المفترض أنه نظام ديمقراطي يعبر عن طموحات ٤٠ مليون نسمة عن طريق ٣٢٨ نائباً في البرلمان، إلا أن ذلك كان صعب التحقيق في ظل دولة منقوصة السيادة، وحكومة تتكون من تحالفات دول الجوار مع قادة سياسيين عراقيين، تتسائل النخب القانونية والثقافية رغم تأييدها للحراك ضد الفساد.

ما هي الخطوة القادمة التي من الممكن تطبيقها لتحقيق تقدم في حياة الفرد العراقي، هل يرتبط الأمر بإدخال إصلاحات قضائية تُحاسب المسؤولية المتهمين بالفساد، أم أن الإصلاحات تبدأ كما تبدأ جميع المشاكل من الجانب الاقتصادي، أم أن المشكلة تقع على عاتق النظام السياسي الذي لم يعد يحقق أدنى طموح للمواطنين، إذ يرى بعض المتظاهرين أن الديمقراطية قد فسحت مجالاً حيوياً للأحزاب السياسية لممارسة الفساد، والسيطرة على المؤسسات الحكومية من خلال حصر الوظائف الموجودة كمكافأة لأتباعِهم، في ظل هذا الانقسام حول ما هي الخطوة القادمة التي يجب على الحكومة العراقية اتخاذها، أو في حال وجود حكومة جديدة، ما الإجراء الأنجع لأرضاء الشعب العراقي بعد ١٦ عام من التراكمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية؟

تقليل الميزانية لوزارتي الداخلية والدفاع ودعم قطاع التعليم والصحة والخدمات، إضافة إلى ربط القطاعات المذكورة مع بعضهم في الاستثمارات، أي مقابل كل مستشفى جديد يتم بناؤه من قبل شركة، هنالك مدرسة جديدة

بدايةً، إن "الثورة هى عملية تغيير سريع وجذري للنظام السياسي مما يؤدي للإطاحة بالنظام القديم والنخبة التابعة له". وهنالك تساؤل يطرح من قبل النخب القانونية والثقافية والنشطاء، هل ستؤدي هذه الثورة ضد الفساد، إلى الإطاحة بالنظام السياسي والأحزاب الدينية الحاكمة منذ عام ٢٠٠٥، أم أن الحراك الشعبي والذي لا يمتلك قائد أو مطالب واضحة محددة له قد يؤدي إلى انهيار الدولة، وإلى عودة إمكانية تقسيمها إلى ٣ أقاليم، إقليم كردي في الشمال، إقليم سني في الوسط، وإقليم شيعي في الجنوب، بالأخص بعد زيادة وتيرة المطالبة بتعديل الدستور العراقي الدائم ٢٠٠٥، والذي قد يفتح بابًا واسعة لخلافات متجذرة تطالب المحافظات الغنية فيها مثل (البصرة وكركوك) بحسر الواردات النفطية لأعادة انعاش المحافظات تلك والتي تعاني من سوء تقديم الخدمات وانخفاض مستوى المعيشة، ويذكر أن البصرة طوال الأعوام الثلاث الماضية قد شهدت احتجاحات واسعة في فصل الصيف بسبب أزمة الكهرباء وشحة المياه الصالحة للشرب، كما أن أهمية تلك المحافظات والتي قد يعرضها مطلب تعديل الدستور للخطر لكون أن غالبية آبار النفط تقع في المناطق الجنوبية العراقية القريبة من مياه الخليج العربي، والتي تضم أغلبية شيعية، في حين أن المناطق التي يهيمن عليها المسلمون السنة تعد فقيرة نفطياً مقارنة بالأولى.

سنتتبع أهم الحلول المقترحة من قبل الخبراء الاقتصاديين والنخب القانونية والنشطاء في الحراك الشعبي العراقي ضد الفساد أو ما يسمى بـ(ثورة تشرين)، وسيتم تقسيم الحلول المقترحة إلى محوري (اقتصادي، سياسي وقانوني)، آخذين بذلك الإجماع حولها من قبل متظاهري الميدّان في العاصمة بغداد.

الحلول الاقتصادية

١- نص الدستور العراقي وفق المادة (١١١) و(١١٢) أولاً، إن الثروات ملك للشعب العراقي، ويتم توزيعها على أساس الثقل السكاني في المحافظات والأقاليم، في حال استمرار العمل في الدستور المذكور، يتم توزيع راتب شهري للمواطن العراقي العاطل عن العمل بمعدل أدناه ٣٠٠ دولار أمريكي شهريًا، وفق سقف زمني، يشمل ذلك الطلبة في المدارس والجامعات، والخريجين الذين لا يمتلكون مصدراً للدخل.
٢- الإسراع بمنح الإجازات للشركات الاستثمارية Online وبطريقة تكفل سرعة تشغيل الشركة، مع ضمان أن يكون العاملين فيها ٧٥ بالمائة؜ من العراقيين حصراً.
٣- لدى العراق كتلة نقدية هائلة وبحسب بيانات البنك المركزي العراقي هنالك ما لا يقل عن ٣٠ مليار دولار مخزنة في البيوت، إذا اعتمدنا بطاقات الائتمان (الكريديت كارد) بدل النقد بنسبة ١٠٠ بالمئة هذا سيجبر الناس على أن تودع نقودها في البنوك. هذا الإجراء سوف يمنح حافزاً إلى البنوك العالمية للاستثمار في العراق، بسبب توفر كتلة نقدية هائلة زائد عمولات التحويلات المالية لبطاقات الائتمان.
٤- سيستفيد القطاع الخاص من قروض البنوك العالمية لأنه سيتوفر ٥٠ مليار كقروض من رأسمال البنوك تلك ومدخرات المواطنين. إضافة إلى القروض الشخصية التي سيكون (الفرد العراقي) المستهدف بها، مثل قروض السكن وقروض السيارات التي تعتبر عمل البنوك الأساسي (منح قروض)، هذا سيجعل المواطن يمتلك بيت قبل امتلاكه لمبلغه.

٥- هذا الإجراء سيكون بحاجة إلى شبكة إنترنت بسرعة جيدة، إن توفر شبكة الإنترنت بشكل مستمر وبتكلفة منخفضة قد يشجع معظم الناس على استخدام البطاقات في تحويلاتهم المالية، وهذه التكنولوجيا متوفرة في أغلب بلدان العالم بالاعتماد على الهواتف الذكية. من المرجح أن تقضي هذه الإجراءات على ٩٠ بالمائة؜ من الرشاوي اليومية المقدمة للموظفين، وهذهِ أولى خطوات التقليل من مستوى الفساد وتحقيق الشفافية في المؤسسات.
٦-تحفيز القطاع الزراعي والصناعي المحلي وإجباره وفق قروض ميسرة على انتاج كمية تسد الطلب المحلي لكل محافظة.
٧-البدء بإستثمار (الغاز) الذي يرافق استخراج النفط من قبل شركات متخصصة في إنتاج الغاز.
٨-تعديل قانون الاستثمار وحماية المستثمر ودعم المواطن عن طريق قروض من قبل وزارة الإسكان أو البنوك.
‏٩- تقليل الميزانية لوزارتي الداخلية والدفاع ودعم قطاع التعليم والصحة والخدمات، إضافة إلى ربط القطاعات المذكورة مع بعضهم في الاستثمارات، أي مقابل كل مستشفى جديد يتم بناؤه من قبل شركة، هنالك مدرسة جديدة، أو معهد مهني.
‏١٠- إحالة ملف الكهرباء والماء والمجاري والطرق والجسور والنفايات لشركات أجنبية وبعقود طويلة الأمد تصل إلى عشرين عام.
١١- دعم الموهوبين والطلبة الأوائل بشكل خاص ومنحهم مقاعد البعثات للجامعات العالمية وضمان عودتهم للدوائر الرسمية لتطويرها.

الحلول القانونية، السياسية

١- اجتماع أهم القانونيين العراقيين (في الداخل والخارج) وكتابة دستور عراقي جديد، يحرص على تقسيم المسؤولية وضمان تماسك العراق والابتعاد كلياً عن التقسيم، إضافة إلى ذلك الاستفادة من الدستور العراق ١٩٦٩م كونه يحتوي مواد يمكن اعتبارها خارطة طريق للخبراء والقانونيين في حال كتابة دستور جديد.
٢- ضمان وجود قانون انتخابي جديد، يركز على الانتخاب الفردي، وتقليص الدوائر الانتخابية، وتحديد وجود الأحزاب السياسية.
٣- تغيير النظام السياسي العراقي من نظام برلماني إلى نظام شبه رئاسي، يحدد فيه عدد النواب بالنصف من العدد الحالي، ويتم انتخاب رئيس جمهورية يتولى المهام التنفيذية.
٤- إلغاء امتيازات كلاً من (مدير عام، وكيل وزير، نائب سابق، وزير سابق، مستشار، قاضي).
٥- تفعيل الشرطة الرقابية، والاستخبارات المدنية، وسحب الجيش من المدن تماما والغاء نقاط التفتيش.
٦- دعم الحوكمة الإلكترونية وتشكيل لجنة لأنهاء روتينيات الدوائر وفق الية وبتدخل التكنولوجيا الحديثة. وفق مدة لا تتجاوز سنة واحدة.
٧- استثناء كلاً من (نائب سابق، محافظ سابق، وزير سابق) لتولي أي منصب في العملية السياسية المستقبلية.
٨-إمكانية الاستفادة من النخب التي تمتلك خبرة في العمل السياسي والحزبي لإدخال تطوير يستهدف النخب السياسية الشابة.

إن اقتراح الحلول الافتراضية، قد يمهد الطريق إلى وجود جهات تنفيذية من رحم الحراك الشعبي الحالي، لكن التخوف هو من عدم قدرتها -تلك القيادات- على إدارة ما فشل به أسلافهم، إن تراكمات الـ١٦ عام، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية قد لا تكون هيّنة لمن يتبنى حلها، حيث أكيد رئيس الوزراء الحالي عادل عبد المهدي أنه ليس هنالك (حلول سحرية) للمشاكل التي يعاني منها العراق، ويبدو أنه كان صادقاً في تعبيره هذا، على المتصدين للفساد، والنخب التي قد تتسيد المشهد السياسي المستقبلي أن تعترف بذلك، وأن تتبنى الخطط التي يمكن تطبيقها، كما أن الشعارات الحماسية التي تحرك المتظاهرين قد لا تكون حلولاً مناسبة للتطبيق، بالأخص تلك التي ترتبط بالرغبةِ (بوطن)، أو الرغبةِ بشخصٍ واحد يحكم العراق بأكمله، العراق بحاجة إلى إداريين اكفاء، يستطيعون توظيف الطاقة الشبابية في إحداث تطوير ملموس للبلاد، أخيراً إن الوطن الذي يبحث عنه المواطن العراقي موجود، لكنه يفتقر للإدارة السليمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.