شعار قسم مدونات

ديمقراطية الحياد أم فوضى الديمقراطية في الجزائر؟

blogs الجزائر

منح الحراك للجزائريين حق إبداء رأيهم في كل صغيرة وكبيرة ما يُعتبر قفزة على السلم شبه الديمقراطي قد يتساءل البعض عن سبب الانتقاص من كمال المعنى! الجواب لا يحتاج لتقديم حُجج بقدر ما يحتاج لتفسير واقعي محض. ظنّ الكثير بأنّ مطالبهم قد أضحت ضمن المبادئ السامية التي سيحتضنها النظام ويُدرجها في أجندته المستعجلة، فنجد من يحلم كما نجد من يُفسِّر الحلم حسب مقاس أمنياته ونحن على دراية بأنّ الأمنيات دون عمل كأضغاث الأحلام، والديمقراطية حاليا مُجرّد أمنية مُعلّقة بخيط رفيع من العاطفة.

تجلس نسبة كبيرة من الجزائريين أمام شاشات التلفزيون مُترقبّين لخطاب ما، كأنّهم بحاجة لجرعة من الكلمات والوعود من أجل الاستمرار على درب التغيير المنشود، كأنّ التغيير وجبة يُمكن تقديمها على عُجالة من على منبر الساسة، أو يمكن اعتبار التغيير كمستحقات تحفيزية يتحصّل عليها العامل بعد كل مشروع ينجح في الترويج له. حسنا الأمر بسيط، والمغزى يكمن في كون أغلب الخطابات وجبة سريعة تُشبع البطون لكنها تتسبّب في أزمات صحيّة حين الإكثار منها، والغريب أنّ إدمانها سهل والتخلِّ عنها صعب حتى لو أدّت إلى آلام جسدية نحن في غنى عنها وكأنّنا نعشق ما يؤلمنا فنتعلّق به حدّ الهوس.

تشهد الجزائر اليوم فوضى أفكار ووعي، فالديمقراطية لا تعني انتخابات حرّة ونزيهة فقط، كما لا تعني إقبال شعبي كبير على صناديق الاقتراع، كما لا تعني عزوف واسع رفضاً للشخصيات القديمة الجديدة المترشحة

هذه الطريقة في كتابة فقرات صغيرة ذات معانٍ مكثّفة كالوجبات السريعة التي تبدو صغيرة الحجم لكن سعراتها الحرارية كبيرة جدا سُرعان ما تتفاعل لتُسبب فوضى بجسم الإنسان، ذات الأمر يستخدمه الساسة لحفر أفكارهم وأيديولوجياتهم في عقول الشعوب فنصل إلى اعتبار الخطاب الديمقراطي كأفيون.
هذا ما يحدث حاليًا في الساحة الافتراضية التي يتفاعل فيها الجزائريون، إذ باتت مواقع التواصل الاجتماعي منبراً لمن لا منبر واقعي له، لكن الحقيقة أنّها مؤثرة على وعي الجمهور بدرجة كبيرة أكثر من حياتهم الواقعية التي يصفونها بالروتينية فيهربون إلى هاته المنصات من أجل فرض هيبتهم، وكأنّ العالم الافتراضي قد تسبب بأمراض نفسية أقلّها الانفصام وأكثرها جنون العظمة.

الحقيقة أنّ العالم الافتراضي اليوم بمثابة فوضى مرغوبة جداً، بقدر ما يستنزف طاقاتنا يبعث بالاسترخاء هذا الأخير قد يتسبّب على مدى الأيام القادمة في عزوفنا عن الواقع وتشبُّثنا بهواتفنا الذكيّة وقد نلجأ لصناديق اقتراع مستقبلية من أجل الاختيار بين مجموعة من الماركات المترشحة لقيادة عقُولنا المُدمنة على الفيس بوك وانستغرام وتويتر وسناب شات وغيرها من المواقع الاجتماعية، نعم قد نلجأ لهاتف ذكي يُصبح بمثابة الزعيم أو القائد الديمقراطي لعالمنا الافتراضي. نفس الشيء بالنسبة للجزائريين الذين دخلوا في نقاشات حادة حول أحقيّة من في الفوز بالانتخابات القادمة وكل من يُصرّح بعزوفه يُعتبر خائناً بنظر المتحمسين للتصويت، والعكس. سنُبسّط الأمر الأكثر لأنّ الفيس بوك مثلا اليوم قد انقسم إلى ثلاث فئات:

الفئة الأولى: مع الانتخابات: هناك البعض ممّن قرّروا التوجه لصناديق الاقتراع حتى قبل أن تكتمل قائمة المترشحين والتي لحد الآن لم تكشف عن مفاجآتها، لأنّ الأسماء الحالية في مجملها صديقة حميمة للنظام القديم المرفوض شعبياً، فهل الشعب في قمّة وعيه؟
الفئة الثانية: ضد الانتخابات: هناك من يرفض الإدلاء بصوته مُعتبراً الانتخابات كعملية ستُرسّخ قيم الاستبداد بالإضافة إلى إعطاء فرصة للعصابة بتوسيع نفوذها والاستمرار في اختلاساتها، وعليه سيكبر الفساد على مهل ويستوطن أكثر وأكثر.
الفئة الثالثة: حيادية، أو بمعنى أصح في غيبوبة لم تستوعب بعد الحراك، فإذا بالانتخابات تأتِ إلى عُقر واقعها وافتراضها، لا رأي لها قد تكون هذه الفئة في سُبات أو قد تكون قد انهارت وخارت قواها بسبب إدراكها العميق ووعيها الكبير فوقوفها دون التلفُّظ بكلمة يفتح المجال لاحتمالات كثيرة أوّلها بناء ديمقراطية الحياد، وأظنها سابقة لم تحدث في أي مكان من العالم.

تشهد الجزائر اليوم فوضى أفكار ووعي، فالديمقراطية لا تعني انتخابات حرّة ونزيهة فقط، كما لا تعني إقبال شعبي كبير على صناديق الاقتراع، كما لا تعني عزوف واسع رفضاً للشخصيات القديمة الجديدة المترشحة، بل الديمقراطية عبارة عن بناء في ظل الفوضى، لأنّ الشعوب التي تنجح في عملية تبادل الأفكار ومناقشتها رغم اختلافها ستتمكن من بناء ثقافتها الخاصة بعيداً عن أي تزييف، هذا الأخير الذي سيسمح لمنتهزي الفُرص بالتسلّق وسد الفجوات بأفكارهم وأيديولوجياتهم التي تخدم مصالحهم وبمختلف الوسائل المتوفرة من أجل تخدير العقول والسيطرة لأطول مدة ممكنة.

ببساطة الانتخابات لا تجلب القائد المثالي، حتى أنّ الدول التي نعتبرها متقدمة، النسبة الكبيرة من شعوبها رافضة للرئيس لكنها تمتلك قنوات تواصل مع بقيّة أطراف النظام، لكن في دولنا نحن شخص الرئيس يُمثِّل النظام الحاكم بقدسيّة تامة، وعليه لا نجد قنوات تواصل بل أبواب موصدة كل من يُحاول فتحها يتلقّ العقاب الفوري، أي أنّ الديمقراطية ها هنا عبارة عن شخص نختاره بين مجموعة من الأسماء التي ندخل في جدالات عقيمة لأجل فرزها وتحديد المناسب منها، وفي الأخير نكتشف بأنّها أسماء ذات جذور ونُدرك بأنّ الفوضى ليست بمشكلة، بل تكمن المعضلة في صانع الفوضى وهو نفسه المستفيد منها، كما أنّ المُتكلّم باسم الديمقراطية هو نفسه المُستبد وهكذا دواليك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.