شعار قسم مدونات

المهدي بن تومرت.. كيف وظّف الدين لبناء دولة الموحدّين؟

BLOGS المهدي بن تومرت

لقد استطاع ابن خلدون أن يطور مفهوم "الدولة" وذلك عبر دراسته للقاعدة الاجتماعية التي كانت ترتكز عليها المجتمعات السياسية المعاصرة له والمتقدمة عليه. فقد حلل مكونات الدولة انطلاقا من مقاربات متعددة أهمها العصبية و"الدعوة الدينية". فالدعوة هي تلك الأيديولوجية التي تستقطب القبائل وتحفزهم على التغيير، سواء كانت هذه الدعوة نبوة أو رسالة او دعوة إصلاحية تعتمد في نشاطها على مبدأ "الامر بالمعروف والنهي عن المنكر". ففي كثير من التجارب السياسية عبر التاريخ تم اعتماد هذا المبدأ كغطاء لإخفاء العديد من الدوافع والطموحات والأهداف الحقيقية لكثير من الحركات السياسية. ولعل الحركة الموحدية بقيادة "المهدي بن تومرت" هي أحد اهم هذه التجارب التي قامت بالمغرب خلال القرن السادس الهجري بما حملته من تحولات ومستجدات في تجديد الفكر الإسلامي وما أسفرت عنه من نتائج في المجال السياسي.

دراسة هذا الموضوع لا بد أولا من التعرف على صاحب هذه الدعوة الدينية (الإصلاحية) وذلك من خلال التعريف بشخصية المهدي بن تومرت، وكذلك على طبيعة هذه الدعوة والأسس التي ارتكزت عليها وكيف استطاع بن تومرت استغلال هذه الدعوة في ضم القبائل والقضاء على الدولة المرابطية، وبناء الدولة الموحدية، التي سيخلفه في قيادتها تلميذه عبد المومن بن علي بعد وفاته (بن تومرت)، والتي سينجح في تحويلها إلى دولة عظيمة ضمت المغرب والأندلس.

من هو المهدي بن تومرت؟
كان ابن تمورت يتميز بذكاء حاذ فقد ضم إليه العديد من القبائل وعمل على استخدام العديد من الجواسيس ممن كانوا يدعون معه، ليكونوا عيونا له وقام كذلك بقتال القبائل التي كانت تخالف دعوته

محمد بن عبد الله بن وجليد بن يامصال المشهور بالمهدي بن تومرت، من هرغة إحدى قبائل المصامدة البربرية في السوس الأقصى تعلم وحفظ القرآن في سن مبكرة، وتمكن من تحصيل قدر كبير من العلوم والمعارف. بدأ رحلته العلمية من الأندلس، حيث تتلمذ على يد العديد من علماء زمانه في قرطبة مثل القاضي ابن حمدين الذي كان من أكبر علماء الاندلس في ذلك الوقت. ثم توجه إلى المشكل لاستكمال رحلته، فسافر إلى مصر، واستقر بالإسكندرية، كان من المواظبين على حضور محاضرات الإمام أبي بكر الطرطوشي. ثم توجه بعد ذلك إلى الحجاز وبلاد الشام متخذا منها طريقا نحو العراق، حيث تلقى العلم هناك على يد الكثير من العلماء الكبار من أبرزهم أبو حامد الغزالي كما يزعم. وأثناء رحلته هذه لاحظ بن تومرت حالة الضعف التي أصابت المسلمين، سواء في أراضي الخلافة العباسية أو الأراضي التي كانت تابعة للدولة الفاطمية. ما جعله يتبنى منهجا اصلاحيا خاصا ويفكر في إقامة دولة إسلامية تضم أقاليم العالم الإسلامي.

الدعوة الموحدية دينيا وسياسيا:

أثناء عودة بن تومرت إلى السوس الأقصى بالمغرب، بدأ في دعوته (الإصلاحية) في كل المدن والقرى التي كان يمر منها، وكان أساسها التوحيد و"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" حيث أنظم إليه العديد من التلاميذ والتابعين، وأسس عقيدة اسماها المرشدة فيها توحيد وخير بانحراف، فحمل عليها اتباعه وسماهم الموحدين، ونبز من خالف هذه العقيدة بالتجسيم واباح دمه. وبدأ بالتمهيد لنشر فكرة أنه هو "المهدي المنتظر" عبر نشر العديد من الأخبار والأحاديث عن المهدي وأوصافه، الشيء الذي سيقوم به بعد تأكده من تقبل اتباعه للفكرة. واعتبر نفسها معصوم من الخطأ. كما ادعى أنه من نسب شريف يعود إلى الحسين ابن علي حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبالتالي فإنه على الجميع الاقتداء به في جميع أفعاله وقبول أحكامه الدينية والدنيوية، وتفويض الأمر إليه في كل شيء.

كان بن تمورت يتميز بذكاء حاذ فقد ضم إليه العديد من القبائل وعمل على استخدام العديد من الجواسيس ممن كانوا يدعون معه، ليكونوا عيونا له وقام كذلك بقتال القبائل التي كانت تخالف دعوته. حتى أنه قام بأكبر حركة تطهيرية لدعوته وهي الحركة التي عرفت بـ "التمييز" حيث قتل الآلاف من أنصاره الذين كان يشك في ولائهم المطلق له. ليدخل بعد ذلك في العديد من الصراعات والاصطدامات مع الدولة المرابطية. التي سيتمكن من الانتصار عليها بعد العديد من المعارك أمام أسوار مراكش الدولة العاصمة المرابطية آنذاك في عام 524هـ، في معركة "البحيرة الساحقة".

مميزات الدعوة الموحدية:

للحركة أو "الدعوة الموحدية" سواء من الناحية الدينية السياسية مجموعة من الخصوصيات، فحركة بن تومرت لم تكن مستندة على أي مذهب موجود قبلها، فقد قام بن تومرت بابتكار مذهب سياسي-ديني لم يكن قائما آنذاك، وهو مذهب يرتكز على مجموعة من الأسس والقيم والاختيارات التي انتقاها من مجموعة من المذاهب والتيارات الفكرية الإسلامية المشهورة ليعطينا مذهبا خاصا وهو "المذهب الموحدين" فقد أحد من الشيعة فكرة العصمة المطلقة للأمام، واقتبس من الخوارج الاعتقاد القائل بحتمية المخالف وضرورة الثورة على الحاكم الجائر. فمن اجل تحقيقه طموحه الديني-السياسي ادعى بن تومرت أنه من نسب شريف، الشيء الذي لم يثبت تاريخيا بحسب العديد من الباحثين. كما ادعى أيضا أنه الهدي المنتظر المعصوم من الخطأ بناء على انتسابه لأهل البيت، وهي دعوى باطلة عقلا ونقلا. بالإضافة إلى اعتماده على فكرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أجل تحقيق مشروعه السياسي.

رغم أن هذا المقال المتواضع لم ولن يسعفنا في تناول حل حيثيات هذا الموضوع وإعطائه حقه من النقاش والتحليل، فإنه يمكن القول إن الحركة الموحدية مع المهدي بن تومرت من أهم الحركات السياسية التي كانت لها مرتكزات دينية على مر التاريخ، وهي في حد ذاتها تجربة لها خصوصياتها. تجربة دينية-سياسية إصلاحية، ونموذجا مهما للحركات الدينية التي نجحت في بناء دولة سياسية، تعتبر أقوى الدول في تاريخ المغرب، دولة قوية حكمت كل أراضي المغرب (المغرب، تونس، ليبيا) وامتدت حتى الأندلس.
—————————————————————————————————————————–
المراجع:
– ابي بكر بن علي الصنهاجي. "المهدي بن تومرت وبداية دولة الموحدين"
– محمد عابد الجابري. "فكر ابن خلدون العصبية والدولة"
– الذهبي. "سير اعلام النبلاء"
– ابن ابي زرع. "روض القرطاس"
– حمد بن صالح السحيباني. "الاتجاه الفكري لدعوة بن تومرت (دراسة تاريخية)"

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.