شعار قسم مدونات

حينما تصبح الانتخابات حلما يراود الوطن

blogs فلسطين

لم يعرف الفلسطيني المنتخب في عام 2006 أن ذاك الحبر الذي صبغ سبابته سيكون طامة تلاحقه لعقد ويزيد فالعيب حينها لم يكن بذاك الحبر ولا بتلك الصناديق التي امتلأت بأحلام مريدين المحطات الانتخابية، العيبُ كل العيب في النيات التي باتت تمكر لحقيقة ما في جوف الصندوق، العيب لثقافة الإحلال محل الآخر والتفرد بالقرار الذي لازم أحزابنا السياسية، العيب في صاحب المبدأ الذي لا يقبل نقيضه فالاختلاف جريمة في مكنوناته العقائدية، رغم أنه سنة كونية، فقد كان التصريح من رب العالميين (ولا يزالون مختلفين).

طار حلم عام 2006 وبقي الخراب والانقسام، انقسمت الأرض في عام 1995 بينا وبين الاحتلال عبر اتفاقيات السلام وفي العام الأغبر عام 2007 تقسم المُقسم وضاع الحق وصُرفت القضية الفلسطينية عن المحافل العربية والدولية بسبب الانقسام وضاعت الرموز واشتدت الحروب بأنواعها كلها على جناحي الوطن فما تفتأ نار العدو تهدأ بين كرات وفرات حتى يُلسع الشعب بنار الفقر الذي رَّبط كل أركانه وبكل مستوياته الشعبية والحزبية والمؤسساتية، أصبحت شكاوي الأرواح التعيسة تخلع القلوب، قُتل الجمال في وطني سوى من بنادق ما زالت تحتفظ برصاصاتها لمعركة قادمة وكما قدر المقدرون أنها ستكون معركة طاحنة، ومع ذلك تمنى قدومها الكثيرون هروبا من واقع الموت البطيء..

العمل السياسي في هذه المرحلة القاتمة لا يقل عن العمل العسكري ضراوة وأهمية فالمنظومة السياسية هي الحاضنة الحقيقية للعمل العسكري وخير دليل التطور الواضح للمقاومة في قطاع غزة خلال السنوات الأخيرة

أين نهاية النفق؟.. سؤال شرعي يسأله أصحاب الحق الذين انهكتهم سنوات الانقسام أكثر من سنوات الاحتلال الطوال. محاولات عديدة للخروج من هذا الظلام الذي لن ينجلي سوى بوحدة وطنية مبنية على الإيمان بالآخر، وأن الجميع قواعد لبناء الوطن الزاهر الزاخر الذي أصبح حلما يراود شقي الوطن. حينما وصل حنا ناصر رئيس لجنة الانتخابات المركزية سفيرا إلي غزة ليعلن عن محاولة جديدة للبدء في عملية الانتخابات التي غيبها تعنت الساسة في ضوء دعوة من مؤسسة الرئاسة فيخرج السيد يحيي السنوار ليعلن للكل بأنه وحركته جاهزون لانتخابات تشريعية نيابية مُسقطا شرطهم السابق بأن الانتخابات لن تحدث سوى رزمة واحدة من الرئاسة حتي التشريعي مرورا بانتخابات المجلس الوطني وانتخابات المجالس المحلية.. ويرد السيد اسماعيل هنية أيضا على دعوة الرئيس محمود عباس "بأن حماس جاهزة للانتخابات اليوم قبل الغد وستحترم نتائجها مهما كانت".

وهناك مرسوم رئاسي مرتقب بعد اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في الشهر المقبل. لكن هل الانتخابات ونتائجها ستكون مصباح علاء الدين الذي بإمكانه حل تلك المشاكل العويصة المحيطة بهذا الشعب الأسير، أسير اتفاقيات السلام مع العدو وأسير التبعيات السياسية والاقتصادية والأجندات الخارجية. بالتأكيد لا ولكنها ستُكون جبهة فلسطينية وطنية لبداية الخروج من تلك التبعات والشروع في البناء والتشييد ونبذ الاقصاء والشراكة والائتلافات السياسية ليبزغ ولو لمرة واحدة الصوت الفلسطيني الواحد أمام كل المعوقات الداخلية والخارجية. ولذا يجب على كل الأحزاب الوطنية أن يكون لها دور في لف عجلة الانتخابات والإقدام على المشاركة فيها وعدم نبذها فاليوم يختلف عن الغد والغد سيختلف عن ما بعده. فالعمل السياسي في هذه المرحلة القاتمة لا يقل عن العمل العسكري ضراوة وأهمية فالمنظومة السياسية هي الحاضنة الحقيقية للعمل العسكري وخير دليل التطور الواضح للمقاومة في قطاع غزة خلال السنوات الأخيرة.

نريد أن نرى تلك اليد التي تبني والأخرى التي تقاوم.. لمن يعود قليلا إلى الوراء وبعد كل السخط الوطني المعلن وغير المعلن عن اتفاقية أوسلو وتأسيس السلطة الوطنية والتي كان من شروط تأسيسها القضاء على حركات المقاومة التي أصابت جبروت المحتل وغروره في الانتفاضة الأولى، عام 1987 ليتم تمزيق كلا من حركة حماس والجهاد الإسلامي والأجنحة العسكرية للفصائل الأخرى وتفتيت مقدراتها وقدراتها إلى أن بدأ الزيغ الصهيوني يظهر وتشتعل انتفاضة الأقصى عام 2000 وبدأت الأجنحة العسكرية تعيد ترميم ذواتها وأشلاءها أمام عين المرحوم ياسر عرفات، رغم قيود الاتفاقيات لكن ضميره الوطني قد أنبه عما خلفت يداه، وبدأت المقاومة يشتد عودها على مرأى ومسمع الرئيس الراحل. هذه صورة ممزوجة بين البياض والسواد.. ولكنها ستبقى في ذاكرة التاريخ. كما سيذكر التاريخ أن هذه الأيام شهدت فرصة للخروج من النفق، وعسى لسان التاريخ أن يكمل روايته بأن الجميع استثمرها لخير هذا الوطن حتى لا تبقى الانتخابات حلما يراود الوطن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.