شعار قسم مدونات

هل انسحبت الإمارات من جنوب اليمن؟

blogs الجيش الإماراتي

هل انسحبت الإمارات من جنوب اليمن؟ يبدو أن هذا السؤال هو الأكثر تداولاً هذه الأيام في الوسط المحلي أو الإقليمي، جاء ذلك بعد الحديث عن مغادرة الهلال الأحمر الإماراتي لمدينة عدن (جنوبي اليمن) والتفاهمات التي تجريها الأطراف في مدينة جدة، حيث تحاول جميع الأطراف الوصول إلى اتفاق ينهي التوتر الحاصل في جنوب اليمن بين الشرعية الممثلة بهادي وحكومته وبين المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يعلن الولاء للإمارات التي تعتبر الداعم الرئيس لهذا المكون الذي يسعى لتحقيق الانفصال عن شمال اليمن.

 

من الواضح أن الإمارات خلال السنوات الأخيرة كانت تملك طموحاً يفوق حجمها الطبيعي، وحاولت استغلال ظروف المنطقة لتعزز تواجدها العسكري والاستخباراتي، إبان اندلاع ثورات الربيع العربي تولت الإمارات مهمة مواجهة القوى الصاعدة ودعم الثورات المضادة، حيث كانت الرأس المدبر -بإيعاز وتسهيل من قوى غربية تدرك أن التغيير يهدد مصالحها في المنطقة- بيد أن طموح السيطرة والهيمنة يحتاج تكاليف باهظة، سواء في الجانب العسكري أو الإنفاق المالي.

 

قبل اندلاع ثورات الربيع العربي كانت الميزانية العسكرية لأبو ظبي في عام 2010 تبلغ 17.5 مليار دولار حسب تقديرات معهد سيبري. ثم تصاعد الإنفاق العسكري الإماراتي حتى وصل في عام 2017 إلى 30 مليار دولار، وخلال الفترة من 2014 إلى 2018 احتلت الإمارات المركز السابع عالميا ضمن قائمة أكثر الدول استيرادا للأسلحة وفق التقرير السنوي لتجارة الأسلحة العالمية الصادر عن معهد سيبيري في مارس 2019، حيث استوردت خلال تلك الفترة 64% من أسلحتها من أميركا، و10% من فرنسا، و7.8 من تركيا، كانت هذه الشراهة في شراء الأسلحة نتيجة رغبات التوسع والهيمنة التي كانت تحلم بها أبو ظبي، والسباق في تسليح حلفاءها الجدد في مناطق دول الربيع العربي، التي سمحت الظروف فيها لتشكيل مليشيات مسلحة تأتمر بأمرها وتنفذ أجندتها في عدد من الدول منها ليبيا واليمن.

  

من المبكر جداً الحديث عن انسحاب الإمارات من جنوب اليمن، فمغادرة الهلال الأحمر الإماراتي لمدينة عدن لا يعني سقوط القبضة الإماراتية على جنوب اليمن
جنوب اليمن وحلم السيطرة

وبينما كانت الأحداث تتسارع في اليمن وجدت الإمارات من خلال المشاركة في عاصفة الحزم التي أعلنتها السعودية فرصة للعبور من خلالها نحو الجنوب الذي يتميز بموقعه الاستراتيجي المهم وثرواته الغنية، كانت الإمارات تشارك باسمها في الشمال وتشارك بجهدها في الجنوب، ومن خلال القضية الجنوبية استطاعت أن تجمع الجنوبيين حولها، فسارعت لتشكيل الخلايا والمليشيات وقدمت الدعم والإسناد والتدريب واستقطبت الآلاف من أبناء الجنوب، بالمآل وبوعود تحقيق الانفصال، قد وضعت الإمارات ثقلها في جنوب اليمن خلال السنوات الماضية وأنفقت الأموال لتشكيل الحزم والنخب، حتى أنها غامرت وحركت طائراتها التي قصفت الجيش اليمني التابع للشرعية وقد كشفت الأحداث الأخيرة أن الإمارات ترى فيما حققته في الجنوب انجاز لا يمكن أن تتخلى عنه بسهولة.

 

الانسحاب المرّ

إنه لمن المبكر جداً الحديث عن انسحاب الإمارات من جنوب اليمن، فمغادرة الهلال الأحمر الإماراتي لمدينة عدن لا يعني سقوط القبضة الإماراتية على جنوب اليمن، ولكنه يعني أن الإمارات تواجه ضغوطا كبيرة، حاولت تخفيف تلك الضغوط بمغادرة شكلية، حيث يغادر أسمها وتبقى أدواتها، وتهدف من ذلك الهروب من الواجهة والاكتفاء باللعب من خلف الكواليس، ويبدو أن حكومة هادي في المباحثات الجارية في الرياض تركز على التواجد الإماراتي في الجنوب وللوصول إلى تسوية كان لا بد للإمارات أن تمارس بعض طقوس الانسحاب كبادرة حسن نية، وهي تدرك أن ما تقوم به مجرد حركة دراماتيكية فإن الإشكالية لم تكن بتواجد الهلال الأحمر الإماراتي ولكن بميليشياتها المسلحة التي تعلن الولاء لها وتنفذ اجندتها، إعلان الإمارات انسحابها الشكلي من عدن سيعطيها أريحية أكثر في لعب الأدوار ولكن هذه المرة عبر أدواتها وليس بشكل مباشر.

  

كل ما سبق لا يعني أن الإمارات تستطيع أن تفرض أجندتها في جنوب اليمن – وإن حققت ذلك خلال الفترة السابقة-لكنها ستجد نفسها يوما ما خارج أسوار المدينة مثلها مثل أي قوى استعمارية منبوذة، وبحسب أحد الباحثين فإن الاقتصاد الإماراتي يخضع لمتغيرات خارجية بنسبة كبيرة، مما يجعل المشاريع الاستراتيجية التي تبُني عليه هشة للغاية، فضلا عن أن المناطق التي تنشط فيها الإمارات مثل اليمن والقرن الإفريقي هي مناطق عجزت عن البقاء فيها دول استعمارية كبرى، لأنها مناطق تفريغ للجهود والطاقات والإمكانيات بدون نتائج ملموسة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.