شعار قسم مدونات

حين تصبح الجريمة حق قانوني للدولة!

blogs الشرطة المصرية

الساعة 2:59 من صباح يوم الجمعة، 29 مارس 2019م، أتممت قراءة رواية (رحلة إلى الله) للأديب المصري الرائع المهتم بالأدب والتاريخ الإسلامي/نجيب الكيلاني. في هذه الرواية وهي الرابعة التي أقرأها للكاتب، يتحدث عن مأساة الإخوان المسلون في مصر بعهد الرئيس جمال عبد الناصر ويكتب العنوان التالي في أول صفحة بعد الغلاف "رحلة الإخوان المسلمون الدامية" يروي الكاتب في قصة من 474 صفحة موزعة على 30 فصل، حكاية الإخوان المسلمون المعتقلين في السجن الحربي، بل حكاية الشعب المصري، وعامة الناس فيه، وهوس السلطة للقمع والظلم والاستبداد وتوجسها من الشعب كل الشعب عدا الزمرة والمطبلين والعايشين تحت ظلام الحاكم.

 

يسرد الكاتب شواهد مروعة من التعذيب داخل السجون الحربية، يندال لها الجبين، وذلك لأسباب وتهم غير معقولة أو تافه، الانتماء للجماعة تهمة كافية، لاستباحة صاحبها بالتعذيب الوحشي الذي لا رحمة فيه ولا شفقه بل وإصدار الحكم عليه بالإعدام، أو قتله بكل دمٍ بارد وتلفيق له تهمة محاولة الهروب.

 

اختطاف كل من له صلة بإخواني، اختطاف المرء بناءً على سلوكه، العثور على كتاب فكري أوديني بحوزة أحد دليل كافي للعسكر أن المقبوض عليه من المطلوبين، اختلاق الادعاءات وتلفيق التهم، وعمل الدسائس، والتعذيب المفرط، وإجبار المعتقلين على الاعتراف بما لم يفعلوه، الظلم الفادح، التنصت على كل الشعب في كل مكان، الحديث في السياسة جريمة، دناءة أخلاق العسكر وخلوها من الأخلاق والقيم الإنسانية والدينة، وتصويرها على أنها مجرد حيوانات مفترسة لا تحس وليس لها ضمير، الخوف سائد، والكبت يمنع الناس أن يتنفسوا الصعداء، وأذان عبد الناصر ملصقة على كل الجدار، وكل تحرك مرصود، وحديث الصحافة كله عن خلايا الإخوان، ونسب كل مؤامرات الدينا وجرائم العالم لهذه الجماعة وتصويرها على أنها تريد تنفذها بمصر، وإظهار الحاكم بصورة تألِهه وتقدسه.

 

في مصر يصبح ارتكاب الجرائم بحق المعارضين حق قانوني تمارسه السلطات، بل ولاستفحال الجريمة التي يتوارثها بلاط الحكم المصري عبر الأزمنة تكاد تصبح نوع من العرف والأيديولوجيا

الرواية ليست من وحي الخيال وتصوير العواطف بل هي حقيقة في رسم روائي بديع ومشوق. وجدتُ الرواية مستوحاه من كتاب: (البوابة السوداء-التأريخ السري للمعتقل-صور من حياة الإخوان) للكاتب "أحمد رائف" 1974، كتبه بعد خروجه من المعتقل، وقدمه كوثيقة/شهادة للتأريخ والإنسانية جمعا، يقول رائف: إن الحكام الذين يقدمون على فعل بهذه البشاعة والفظاعة، دون أسباب معقولة تستحق كل هذا الإجرام والبشاعة، إنما هو استخفاف بالشعب وبالأمة العربية والإسلامية التي ترفض ذلك والإنسانية جمعا، الشعب والإمة الساكتة عن فظاعة تلك المظالم ، مشاركة فعلية في استدامة ذلك الطغيان، على الشعب والأمة بل والعالم رفض ذلك وبقوة، فهو انتهاك صارخة بحق فطرة الإنسان البشري.

 

قرأت الجزء الأول من الكتاب، وكنت قد قطعتُ شوطاً في الرواية، يتحدث "رائف" عن حياته التي قضاها في السجن، طغيان وحشي في الحلول وتفاهة وظلم في الأسباب، ويسرد ذلك في قصص وحكايات وأحداث عايشها في السجن الحربي، ومن خلال التشابه الكبير الذي لاحظته بين فكرتي الكتاب والرواية، أعتقد أن الأديب "نجيب" استوحى فكرة روايته من الكتاب أو قام بتحويله على هيئة رواية بأسلوبه البديع، ما يزيد الاحتمال قُرباً إلى الواقع؛ البعد الزماني بين الإصدارين.

 

تعرض إخوان مصر ولايزالون حتى يومنا الراهن ؛لأبشع وأفظع الجرائم والانتهاكات الظالمة والمجحفة، ويعتبر إخوان مصر من بين الإخوان بكل دول العالم هم الجزء المحارب والمقموع والمكبوت بأقذر أساليب الإجرام الذي لا تشرعه الديانات السماوية ولا القوانين الوضعية ولا القيم ولا المبادئ الأخلاقية والإنسانية، غياب منظمات العالم الحقوقية والإنسانية والمجتمع الدولي، عمّا يحدث في السجون المصرية من قبل السلطات المتعاقبة خلال الأزمنة المتوالية، إنه يكشف زيف ذلك العالم الذي يدعي الدفاع عن حقوق الإنسان وحرياته، ليس إلا مجرد زوبعة في فنجان جوفاء وفارغة، تسترزق من المسلمين الأموال الطائلة، تعيش الحياة وتنفذ أجندة أخرى ضد العرب وكل المسلمين، فلا تعويل عليها البتة. وإن صمت العالم العربي والإسلامي وعالم كل الإنسانية، أمام فظاعة إجرام السلطات المصرية بحق المدنيين بل بحق الشعب، وليس كما يزعم بحق الإخوان فحسب إنه مؤشر خطير يشير إلى وجود اختلال عميق في التركيبة القيمية للإنسان وإنه يقود العالم إلى انحلال المبادئ وفساد الحياة.

  

في مصر يصبح ارتكاب الجرائم بحق المعارضين حق قانوني تمارسه السلطات، بل ولاستفحال الجريمة التي يتوارثها بلاط الحكم المصري عبر الأزمنة تكاد تصبح نوع من العرف والأيديولوجيا، إن السير قُدماً دونما إحساس وإدراك وانتباه لحجم الكارثة القيمية التي أصابتنا "الصمت عن الظلم الفظيع المستدام "قد ينذر بإنتاج جيل يقبل الضيم ويعتاد الاستبداد ويألف الظلم والطغيان ويعيش في ظل سلطة بوليسية قامعة بشكل طبيعي لا يفكر ولا يغضب. إنهاك الشعوب بالصراعات والاقتتال البيني، وضرب الاقتصاد والبنيات التحتية، ونشر الفقر والضياع، فتح أبواب التيهان المظلمة أمام الشعوب الضائعة لتعبرها أفواجاً بحثاً عن ذاتها ومكانها؛ كل هذه العوامل هي سيناريوهات معدة سابقاً لإنتاج ذلك الجيل الخامل الذي يريده الظلمة والمستبدون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.