شعار قسم مدونات

لبنان بلد الفن ينتفض

blogs لبنان

عندما يدور الحديث عن لبنان تتبادر إلى أذهاننا أشجار الأرز المعمرة؛ خضرة، جبال وجمال صارخ. وأي كان مجرى الحديث وسياقه فإنك ستتذكر ساحرة الأذن وقارعة القلوب بكل رقة وحب "فيروز" التي اقتحمت البيوت العربية والغربية، فكلنا شاهدنا في السنوات الأخيرة أجانب يغنون مقاطع لأشهر أغانيها. وما إن تتذكر فيروز، ستتذكر "ماجدة الرومي" أيضا؛ رقي وعنفوان وأناقة فكر امرأة المشرق، هكذا تركت بصمتها عند جمهورها الكثيف. سنبقى في الفن، ولكننا سننتقل في نفس الوقت إلى السياسة، فكل الأمور في هذه الحياة متشابكة؛ فن يؤثر في السياسة وسياسة تتحكم بخيوط الفن وتقتل إبداعه!

في لبنان دائما، حنجرة الوطن "جوليا بطرس"، فنانة تقف على المنصة تخاطب المواطن اللبناني المخلص لوطنه، جنديا كان، طبيبا كان، ابن شهيد كان.. هي تغني للوطن وحب الوطن وجرح حب هذا الوطن. جوليا بطرس بوطنيتها الراقية أثرت فينا نحن أبناء المغرب العربي، فمعاناة الشعب اللبناني من العدو الاسرائيلي في حرب 2006 لمسنها في أغانيها، ولا زلنا.. ستجد عدد لا يستهان به من المغاربة مولعون بلونها الغنائي المتميز، لأن فنها قضية! هي تختار أغانيها بكل عناية، وعلى قلتها فإنها فريدة؛ تقشعر لها أبداننا وتحرك فينا حسنا الوطني وحماسنا ضد الظلم والقهر.

آلاف المتظاهرين خرجوا إلى الشارع مطالبين بتحسين الأوضاع والتوقف عن قصم ظهر المواطن البسيط، وحل الحكومة الحالية وتشكيل حكومة جديدة أكثر جدية وأكثر مسؤولية، ولا تتضمن أي اسم من الطبقة الفاسدة الحالية

عندما تغني جوليا بطرس "على رغم الجو المشحون، تبعا للظرف المرهون، مطرح ما عيونك بتكون بحلم شفوك يوما ما"، أحس أنها تقصدنا نحن العرب، متيقنة من أن القلوب العربية تواقة إلى اليوم الذي نلتقي فيه على قضية ومصير واحد! جوليا بطرس مثال حي، لإنسانة لم تفسد السياسة فنها. وإذا كنت من متتابعي المستجدات على الساحة العربي وحتى إن لم تكن، فلا شك أن صدى انتفاضة لبنان الأخيرة قد وصلك، فالناس في لبنان لها حس سياسي مقرون بالفن والغنى والطرب يصعب على غير اللبناني أن يفهمه!

هناك في لبنان شعب ينتفض وهو يغني ويرقص! لبنان حيث عدد اللبنانيين المقيمين أقل بالنصف تقريبا من عدد المهاجرين، والديون الخارجية تجاوزت 130 في المئة من حجم الاقتصاد، شعب ينتفض ضد الأزمة الاقتصادية وفساد الطبقة السياسية وتخلف الحكومة عن صرف مرتبات الموظفين لأكثر من تسعة شهور، ضد أزمة كهرباء ومشكلة الأزبال ومقترح قانون يجيز بفرض ضرائب جديدة على مكالمات الواتساب.. ويقال أن هذا السبب هو من ما أفاض الكأس الممتلئ على آخره في لبنان.

آلاف المتظاهرين خرجوا إلى الشارع مطالبين بتحسين الأوضاع والتوقف عن قصم ظهر المواطن البسيط، وحل الحكومة الحالية وتشكيل حكومة جديدة أكثر جدية وأكثر مسؤولية، ولا تتضمن أي اسم من الطبقة الفاسدة الحالية.. فعلوا كل هذا وهم يغنون! وقد انضم إلى الجموع الغفيرة بطرابلس مساء الأمس "مارسيل خليفة"، نعم ففي لبنان يصعب فصل الفن عن السياسة! غنى وآلاف الثوار يرددون معه "إني اخترتك يا وطني حبا وطواعية، إني اخترتك يا وطني سرا وعلانية، إني اخترتك يا وطني فليتذكر يا زمني ما دمت ستذكرني، إني اخترتك يا وطني يا وطني الرائع يا وطني". سيضاف هذا الموقف الوطني لهذا الرجل المثقف إلى سجل لبنان الحافل بمحطات تاريخية فنية نكهة سياسية.

غدا إن شاء الله نرى ماذا يحمل سعد الحريري من حلول في ورقته الاقتصادية، هل يا ترى سيلغي كل الاقتراحات المتعلقة بفرض ضرائب جديدة؟ هل فعلا سيخفض مستحقات البرلمانين القدامى والحاليين  إلى النصف؟ خل فعلا سيقر بقانون إرجاع المال المنهوب؟ وهل تكفي هذه الإجراءات لردع غضب الشعب اللبناني حتى يتوقف عن التظاهر وتنشيط وتلطيف أجواء هذا الغضب؟ لا يهم كيف ينتفض الشعب اللبناني، ولا يهم لأي دافع ينتفض، المهم أنه ينتفض متى أراد ذلك وكفى! حمى الله شعب لبنان العظيم، شعب محب للسياسة والفن معا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.