شعار قسم مدونات

في الحاجة إلى تعلم المهارات الحياتية

blogs اجتماع

تعد المهارات الحياتية من بين المهارات الأساسية التي يحتاجها المتعلمين والآباء والأساتذة وكل أفراد المجتمع على حد سواء، لما لها من أهمية بحيث أنها تمكن الفرد من تعزيز قدرته على التأقلم مع كل الظروف المحيطة به وتؤهله لكي يكون مندمجا بشكل يسمح له بالمساهمة في تطويره ذاته وبناء مجتمعه والسير به نحو الأمام. لهذا، فقد قررنا أن نسلط الضوء في هذه المقالة، على المهارات الحياتية وكيف يمكن تعلمها، وهل نستطيع فعلا تعلم هذه المهارات، وما الفائدة من تعلمها، لذا سنبدأ أولا بتقديم تعريف مبسط وواضح للمهارات الحياتية، حتى يتسنى للجميع معرفتها وإدراكها ومن ثم تعلمها، فتعرف منظمة الأمم المتحدة للطفولة المهارات الحياتية بأنها: "مجموعة من المهارات النفسية والشخصية التي تساعد الأشخاص على اتخاذ قرارات مدروسة بعناية، والتواصل بفعالية مع الآخرين، وتنمية مهارات التأقلم مع الظروف المحيطة، وإدارة الذات التي تؤدي إلى التقدم والنجاح".

من خلال هذا التعريف يتبين أن المهارات الحياتية هي مهارات شخصية ونفسية يمكن تعلمها واكتسابها، أو بالأحرى هي مهارات سلوكية نفسية اجتماعية، تلزم أي فرد تعلمها، لكي يتعامل مع المجتمع بثقة أكبر، وبقدرة عالية على اتخاد القرارات المهمة في حياته، وبطبيعة الحال يجب أن تكون هذه القرارات مناسبة للفرد في جميع مستويات حياته الشخصية والمهنية، ومن ثم العمل على تطوير الذات والارتقاء بها إلى مستويات عليا بإتقان المهارات الحياتية، من أجل التعامل مع الآخرين بإيجابية وبأسلوب سلس، يؤدي إلى تفادي الوقوع في الأزمات والتغلب عليها عند حدوثها، كذا عدم ارتكاب نفس الأخطاء وتكرار نفس التجارب المؤلمة عملا بالحديث الشريف: "لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين".

الوعي الذاتي يدخل ضمن مكونات الذكاء العاطفي، باعتباره مقدرة الفرد على الوعي بذاته، من خلال معرفة وإدراك مشاعره وانفعالاته، ومشاعر الآخرين، ومن ثم ضبطها والتحكم فيها

مما ذكرناه سلفا، تبرز أهمية المهارات الحياتية باعتبارها وسيلة أساسية لتمكين الشباب من مواجهة ما يتعرضون إليه من مواقف والتعامل مع الأزمات بكياسة. ومن جملة المهارات الحياتية الأساسية التي يجب تعلمها هي مهارة حل المشكلات واتخاذ القرار، مهارة الوعي الذاتي والتعاطف، مهارة التفكير الإبداعي والتفكير الناقد، مهارة إدارة الانفعالات ومواجهة الضغوط، مهارة التواصل مع الآخرين، وسنكتفي في هذه المقالة، بشرح مهارتين فقط.

ثمة فرق واضح وجلي بين النجاح الشخصي والمهني، فالكثير من الأفراد حققوا نجاحا باهرا على المستوى المهني لكنهم وللأسف الشديد فاشلون على المستوى الشخصي نظرا لافتقادهم للمهارات الحياتية والتي من شأنها أن تساعدهم على تحقيق النجاح الشخصي، وأهم هذه المهارات هي مهارة حل المشكلات واتخاد القرار، وهي المعروفة بالتقييم الشامل للمهارات التي يمتلكها الفرد، لتمكينه من حل المشكلات والعوائق التي تحد من تطوره، أما اتخاذ القرار فمعناه قدرة الفرد على إصدار حكم معين بعد دراسة البدائل المحتملة عند تعرضه لموقف ما، ويمكن تنميتها بالتحكم في الشعور الداخلي، أي في الانفعالات والمشاعر والأحاسيس المتولدة عن موقف معين، ومن ثم التحكم في الأفعال والسلوكيات، فتغيير المشاعر السلبية واستبدالها بمشاعر إيجابية، يؤدي إلى تغيير السلوك، ومن ثم اتخاد القرار الصائب، وعلى الإنسان أن يكون واضحا في قراراته والدوافع التي تحركه، وأن يتبنى قيما قوية وفعالة، وعليه معرفة ما يريد، لكي يحقق ما يسعى إليه، وأن يتشبت بالأمل والتفاؤل رغم ما يعتريه من نقص وضعف، مهما كانت التحديات التي تواجهه، فالطبيعي أن يكون الإنسان قويا وحازما عند كل تحدي يمر منه، وبطبيعة الحال مفعما بالمشاعر الإيجابية، ومؤمنا بأن الفرص ما زالت موجودة وأنه يستطيع أن يحقق كل ما يرغب فيه بشرط ألا تخالف هذه الرغبات الشرع والقانون، فالطموح مشروع.

أما المهارة الثانية فهي مهارة الوعي الذاتي والتعاطف، ومعلوم أن في الآونة الأخيرة، وبالخصوص في بداية التسعينات، بدأت كتب ودراسات وأبحاث كثيرة تتحدث عن الذكاء العاطفي، وأثبت الكثير من الدراسات أنه يساهم بنسبة 80 بالمائة من نجاح الفرد، لهذا فالوعي الذاتي يدخل ضمن مكونات الذكاء العاطفي، باعتباره مقدرة الفرد على الوعي بذاته، من خلال معرفة وإدراك مشاعره وانفعالاته، ومشاعر الآخرين، ومن ثم ضبطها والتحكم فيها، ومحاولة إصدار قرارات صائبة تصب في مصلحته وتراعي مصالح الآخرين، أما مهارة التعاطف فهي قدرة الفرد على التعامل بكياسة وبلباقة مع ردود أفعال الآخرين، بقراءتها وتمييزها من خلال التمكن من لغة الجسد، لاكتشاف ما يبطنونه وليس ما يقولونه، والعرب قديما هم الأبرع في علم الفراسة، وهذه دعوة للإطلاع على هذا العلم، لاكتشاف ذواتنا والآخرين، من أجل بناء علاقات جيدة مع الآخرين وبالأحرى علاقات مربحة، وإدارتها في ما يخدم أهدافنا وطموحاتنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.