شعار قسم مدونات

الإسلام وفق القيم الغربية.. تشويه متعمد أم ضرورة واقعية؟

Blogs مجتمع

تلى توقيع اتفاقية سايكس بيكو البداية الفعلية لإعداد نموذج اجتماعي وثقافي يكرس للتجزيئية والتفرقة داخل المجتمعات العربية الإسلامية، بعد دراسات سوسيولوجية وأنثروبولوجية مكنت الآخر المختلف "الغربي" من رصد مكامن الضعف وتوظيف العلم الإنساني من أجل الهيمنة والسيطرة، التي اتضح أنها تستهدف القضاء على نموذج إنساني قائم بذاته! ولعل هذا ما عبر عنه أدونيس بحالة التوحش التي بدأت معالمها تظهر مع عمليات التوسع الإمبريالي التي أعقبت الدراسات الإنسانية للمجتمعات الإسلامية.

بعد خضوع غالبية الدول الإسلامية للاستعمار الغربي في الفترة الممتدة ما بين القرن التاسع عشر والقرن العشرين، تمكن المستعمر من القيام بدراسات تحليلية ميدانية لثقافة وسلوك الأفراد عبر الملاحظة عن طريق المعايشة التي مكنته من معرفة دقيقة بخصوصية وقوة هذا العالم "العالم الإسلامي" حيث خلص كل الباحثين والضباط السامون الذين كانوا يعملون في قسم المخابرات إلى حقيقة واحدة وهي قوة العقيدة الإسلامية والوازع الديني لدى المسلمين وانبهار البعض منهم بحكامة ورشادة النموذج الإسلامي بعد البحث والإطلاع عليه بشكل معمق، الأمر الذي دفعهم لشن حرب فتاكة ضده (الإسلام) من خلال أليتين:

إن ما يدعو للقلق هو هذه الصيغة "الدينية" التي تم إعدادها بتوافق كل من الغربي والحاكم "الإسلامي" المتخادل التي تقف مانع أمام أي أفق للتغيير أو الإصلاح

الآلية الأولى: تنصيب نخب حاكمة خائنة لشعوبها وهذا ما نلحظه اليوم بشكل جلي، ليست الشعوب من تختار حكامها في معظم بلدان العالم الإسلامي المعاصر ذلك أن الغرب لا يريد عالم إسلامي ديموقراطي، حيث يتم تنصيب كل من يريد امتيازات السلطة والمال مقابل حماية وتيسير عملية الهدم التي بدأت منذ أجيال وتتطلع للقضاء على النموذج الإسلامي الرشيد ومن ثم تنمية عجلة التخلف والخنوع للقوى الغربية وهذا ما أصبح متضح بعد مهازل النظام السعودي وغيرها من الأنظمة "الإسلامية".

الآلية الثانية: المسح الهوياتي عبر تمرير نماذج ثقافية تحمل مثيرات سيكولوجية خطيرة تهم الشباب على وجه الدقة، خصوصاً بعد إنتشار وسائل التواصل والإعلام وتوفرها لدى الجميع أصبح من اليسير التأثير على الناشئة والشباب بطريقة غير مباشرة عبر مواد إعلامية وثقافية تحدث نوع من الخلخلة ما بين المعتقد وما يتم إستقباله بشكل يومي من مثيرات تجعل الكل يعجب بها رغم أنها تحمل في ثناياها السم الذي يقتل ببطء بحيث تضع الشاب المسلم في حالة لا توافق تفضي به إلى وضع نفسي خطير جدا ومن ثم تستمر حالة النوم والركود في جميع الأصعدة التي يعيشها العالم الإسلامي المعاصر.

أفضت السياسات التي اعتمدها الغرب في المجتمعات العربية الإسلامية من خلال الآليات السابقة الذكر إلى مرحلة تعد الأخطر على الأمة منذ زمن بعيد وهي التي بدأ التأسيس لها منذ أواخر القرن العشرين إلى حدود اللحظة وتتمثل في صياغة نموذج "إسلامي" يتناسب مع توجهات ورغبات الغرب والحكام العرب، دين لا يمت الإسلام بأي صلة، بل لا يمكن اعتباره دين إلى حد كبير بقدر ما يتناسب مع كلمة أفيون أو مخدر، ينمي الخنوع ويطيل حالة التخلف والسبات، يكفي ما رأيناه في السعودية من قمع لدعاة الحق وغيرها من البلدان لإدراك طبيعة النموذج الديني السائد في العالم الإسلامي، مقابل هذا نلحظ التدعيم الكبير لأبواق النظام التي تحافظ على الراهن وتستثمر الفهم المغلوط عن الدين وتسوقه وتقف سد منيع ضد أي محاولة لكشف حقيقة الإسلام العظيمة، كل هذا يحدث تحت إملاءات الأخر المختلف الذي يعي مدى خطورة سيادة الإسلام الحق عليه، تصديق لقوله تعالى "وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمبَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ"

إن ما يدعو للقلق هو هذه الصيغة "الدينية" التي تم إعدادها بتوافق كل من الغربي والحاكم "الإسلامي" المتخادل التي تقف مانع أمام أي أفق للتغيير أو الإصلاح، هذا من جهة ومن جهة أخرى تجعل هذه الصيغة بطريقة غير مباشرة الفرد المسلم في حالة نفسية واجتماعية غير متضحة المعالم في ظل الوضع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي الذي تعيشه معظم بلدان العالم الإسلامي نتيجة التطويق الذي تم إحداثه، نخب حاكمة خائنة، إتلاف للهوية وبتالي صعوبة إستشراف المستقبل، تطبيع لنموذج ديني في العالم الإسلامي لا يمت الإسلام بأي صلة كل هذا يدفعنا للقول بأن الإسلام الراهن أو السائد يناسب الغرب ويعيق نهضة الإسلام والمسلمين في العالم العربي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.