شعار قسم مدونات

مدرسة الصدمة تتمدد.. حين تحكم الوقاحة العالم

blogs ترمب

الأحداث تتوالى على هذا الكوكب بصورة مخيفة وكلها برأيي تتم بمنهج مميز وطريقة واحدة. فقد جاءت تصريحات العديد من رؤساء وحكام دول غربية وعربية في إطار أسلوب قديم يسمى بـ "مدرسة الصدمة". الرائعة الكندية نومي كلين قدمت كتابها الموثق عام ٢٠٠٧ "مدرسة الصدمة، صعود الرأسمالية الهوجاء"، وفيه وجهت انتقاد بالغ الحدة لتوحش رأس المال في السيطرة على إدارة دول بأكملها، وكيف أن شلل اقتصاد أي دولة يتم بسرعة خاطفة من خلال إجراءات غاية في التنكيل بالاقتصاد المحلي. الكاتبة تناولت الجانب الاقتصادي في أحد تطبيقات لنظرية العلاج عن طريق الصدمات الكهربائية لأمراض الاكتئاب والصرع وغيرهما. ومع تقدم أجهزة جمع المعلومات في الستينات حتى يومنا هذا، تمددت هذه المدرسة لتضفي ظلالها على المؤسسة السياسية.

 

يوماً بعد يوم، يرسخ بذهني تلاقي تصرفات وتصريحات عديد من حكام المنطقة العربية لمثيلاتها من حكام الدول الغربية. في وقت يبحث فيه الكونجرس الأمريكي عزل الرئيس ترمب، نشاهد تصريحات الرئيس الأمريكي على الهواء أنه استعان بحكومة اوكرانيا للبحث عن أدلة تدين ابن بايدن (أحد مرشحي الحزب الديموقراطي المنافسين في انتخابات الرئاسة القادمة)، بل ويطلب من حكومة الصين لاحقاً بأن تساعده في هذا الصدد، هذه يا سادة هي مدرسة الصدمة. الرئيس ترمب يقدم للكونجرس أدلة اتهامه غير مبالي بنتيجة الإجراءات الحالية، طبعاً له حق فالجمهوريون سيفسدون الطبخة بالنهاية.

 

كنت أتمنى أن يكون ببلادنا مؤسسات قضائية مستقلة تضع الأمور في نصابها ولكن بداية السقوط كان بهدم القضاء ورموزه الشرفاء

فرنسا لم تسلم كذلك من مدرسة الصدمة، تجدها في تصريحات الأحزاب اليمينية الشعبوية في سياستها تجاه المهاجرين، بل تعدتهم في قمع متظاهري السترات الصفراء بأعنف وسيلة وكأنك لست بأوروبا. حتى المظاهرات الحادثة في هونغ كونغ الآن والتي يتم تصفيتها بنفس أسلوب القمع المتوحش، ليست إلى نتاج أسلوب مدرسة الصدمة.

 

الخطورة في هذه المدرسة هو نقلها بحذافيرها لمنطقتنا العربية. في الماضي كان الزعماء يكذبون ويتحايلون ويتجملون، لكن اليوم يخرجون علينا بوقاحتهم واعترافاتهم بجرائمهم وهم في منتهى البرود. وإذا بك ترى موكب سيارات الرئيس المصري يقطع ميلين على سجاد أحمر، شيء صادم أليس كذلك؟ ثم لإكمال الصدمة يخرج علينا بتصريح أن مصر دولة غاية في الفقر المدقع. ولاحقاً كان تصريحه "نعم .. أنا ابني قصور رئاسية بل وسأبني المزيد منها".

    

ثم إلى السعودية حيث تشاهد من يعلو الكعبة المشرفة لاستطلاع سير التوسعة بالحرم، كيف يكون هذا؟ وكان بإمكانه أن يرى الساحة بأكملها في أحد الأبراج المحيطة، انها مدرسة الصدمة بحذافيرها. ثم تصريحه الأخير "أنا مسؤول عن قتل الصحفي خاشقجي" ليكتمل المشهد دون أي شائبة إنكار. ثم إلى العراق ليدلي أحد رموز الحكومة العراقية بتصريحه خلال مقابلة تلفزيونية "الجميع في الحكومة العراقية يرتشون .. وأنا ارتشي".

      

العرب ما كانوا يجرؤون للخروج عرايا على شعوبهم والتباهي بسوآتهم إلا بتلقين من أصحاب مدرسة الصدمة. التعاطي مع أسلوب الصدمة يتفاوت بين تفعيل لدور مؤسسات مثل الكونجرس لحماية الدستور وعزل الرئيس وأخرى في التظاهر السلمي كما في هونغ كونغ أو أن تفتح فمك وترفع حواجبك من الدهشة كما بالبلاد العربية. كنت أتمنى أن يكون ببلادنا مؤسسات قضائية مستقلة تضع الأمور في نصابها ولكن بداية السقوط كان بهدم القضاء ورموزه الشرفاء.

  

الآن أزعم أن الشعوب العربية تحتاج عملية نقل دم. فالصدمات تؤثر على عقول جبلت على الخوف والسير بجانب الحيط، بل بداخله إن أمكن. الدم النقي الجديد لن يقبل أن يسلم نفسه لمن يضع كابلات الكهرباء على رأسه ليشل حركته. مقاومة الصدمات يبدأ بعدم الانتباه لها بقدر ما توجه الجهود لنزع مصدر الصدمة. نحن نؤمن بالله وبالغيبيات وندرك أن مدرسة الصدمة لا تعدو إلا أنها محاولة لكسر إرادة الناس "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون"، سينتصر الحق لا محالة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.