شعار قسم مدونات

عطبرة.. محطة الوطن الكبير

عطبرة (بلد الحديد والنار).

برز في الاحتجاجات الأخيرة التي شهدها السودان اسم مدينة تناقلته وسائل الإعلام المحلية والعالمية، ربما يتساءل البعض ما موقع هذه المدينة وما تأثيرها ولماذا برز اسمها وتصدر وسائل الإعلام، هذه المدينة هي مدينة عطبرة وكما تلقب (بلد الحديد والنار). عطبرة في أي ولاية من ولايات السودان تقع، وما هو دورها التاريخي والمجتمعي، وما الذي يميزها عن غيرها من مدن السودان، نقاط نسردها في هذا المقال.

موقعها الجغرافي

تقع مدينة عَطْبَرَة في ولاية نهر النيل في اتجاه الشمال، وتبعد عن العاصمة الخرطوم بحوالي 310 كيلو متر وعن مدينة الدامر حاضرة الولاية بحوالي 10 كيلو متر وعن ميناء بورتسودان في الشرق 611 كيلو متر، وجنوباً عن وادي حلفا بحوالي 474 كيلومتر. تقع المدينة على الضفة الشمالية لنهر عطبرة والضفة الشرقية لنهر النيل.

أصل التسمية

قيل كان يطلق عليها اسم أتْبَرَا (قبل استبدال حرف التاء بطاء). وأتبرا لفظ مشتق من الكلمة العربية تتبير، كما يذهب البعض، وهو لغةً يعني التدمير أو التحطيم أو الهلاك. يقول عزّ وجلّ: ﴿وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ ۖ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا﴾ (الفرقان:39). وسُميت عطبرة بهذا الاسم لهيجان نهر عطبرة عند فيضانه ودخوله إليها في الاتجاه الشمالي الغربي وانحداره بسرعة كبيرة في سهولها المنبسطة حيث يحطم ويجرف كل ما يقع في مجراه أو على حوافي ضفافه من شجر ودواب وعمران وبشر، وقيل أصل التسمية كلمة تتركب من مقطعين هما (إد) و(وبارا)، حيث يرادف المقطع الأول (إد) لفظ البحر بلغة العنج، وأما المقطع الآخر (وبارا) فهو اسم مرويّ باللغة المَرويّة القديمة، وبذلك يصبح معنى المقطعين مجتمعين بحر مَرَوِي. وقيل غيرها.

موقعها التاريخي
تعتبر مدينة عطبرة إحدى المدن التي تتميز بتنوعها الثقافي والاجتماعي ويعزى ذلك إلى وجود كل طوائف وقبائل السودان فيها، فهي مدينة يقطنها أهل الجنوب والشمال والشرق والغرب

تعتبر مدينة عطبرة من أقدم مدن السودان وأعرقها، اختارها الإنجليز قديماً لتصبح موقعاً حربياً لقواتهم بعد استعادة استعمار مدينتي أبو حمد و بربر في سنة 1898م، لموقعها الذي يحيط به نهري النيل وعطبرة من جهة الجنوب والغرب، اشتهرت في تاريخها القديم والحديث بالسكة حديد والحركة النقابية السودانية، حيث قامت فيها رئاسة السكة حديد بالسودان والتي تمثل نقطة تلاقي خطوط السكك الحديدية التي تربط عاصمة السودان الخرطوم بموانئه الرئيسية مثل بورتسودان وسواكن ومدنه الحدودية مثل كسلا ووادي حلفا، وذلك قبل دخول وسائل النقل الحالية.

دورها الاجتماعي والثقافي

تعتبر مدينة عطبرة إحدى المدن التي تتميز بتنوعها الثقافي والاجتماعي ويعزى ذلك إلى وجود كل طوائف وقبائل السودان فيها، فهي مدينة يقطنها أهل الجنوب والشمال والشرق والغرب ممثلة بذلك وجه السودان بأكمله لذلك من يعيش فيها لا يكاد يجزم على أنها ذات طابع محدد أو ثقافة واحدة، كما يعكس هذا التنوع حياة اجتماعية مميزه عن غيرها وترابط فريد في مجتمعها. برز في مدينة عطبرة مجموعة من الشخصيات الوطنية والدينية والثقافة وذلك لذات السبب الذي ذكر سابقاً، ومن أشهر أبناء مدينة عطبرة الذين كان لهم حضور كبير في الإعلام وبين الناس الأستاذ حسن خليفة العطبراوي رحمه الله وغيره من الشخصيات.

دورها الاقتصادي

الولاية التي تقع فيها هذه المدينة (ولاية نهر النيل) تتميز بأنها من أكثر مناطق السودان التي تحتوي على ثروات معدنية هائلة ففيها الذهب – المايكا – الحديد – الكوارتز – التلك – المنجنيز – والرخام الذي يشكل البنية الأساسية في منتجات الإسمنت. كذلك تعتبر أراضيها خصبة وصالحة للزراعة ففي مدينة عطبرة يوجد مشروع زراعي يعتبر من المشاريع الزراعية الكبيرة في الولاية وهو مشروع الأمن الغزائي الذي يقع شمال المدينة والذي بدوره يواجه إهمالاً شديداً في تطويره والاستفادة منه، كما توجد بعض المشاريع الصغيرة على ضفاف نهر النيل والعطبرواي. كما يوجد بها مشاريع إنتاج وتسويق الأعلاف والبرسيم المضغوط والذي يصدر إلى دول عربية. تلعب مدينة عطبرة دوراً صناعياً كبيرا لوجود مصانع الإسمنت بالقرب منها فقد شهدت المدينة إنشاء أول مصنع للإسمنت في السودان وتتابع بعد ذلك إنشاء مصانع الإسمنت حولها.

فما الذي ينقصها؟

المتأمل في السرد الذي ذكر عن المدينة وموقعها التاريخي والاقتصادي وما تحتويه من مشاريع تنموية وخدمية يتساءل هل يمكن لهذه المدينة أن تعيش أوضاعاً اقتصادية صعبة؟ أو هل يمكن أن يرى فيها غير الازدهار والتنمية؟ والإجابة أن هذه المدينة رغم ما تحتويه من هذه الموارد وهذا الموقع إلا أنها ما تزال بعيدة عن تحقيق الاكتفاء والتطور والتنمية وذلك لعدة أسباب:

أولها: أن المدينة خاصة والولاية عامة تفتقد لحسن الإدارة لهذه الموارد فكل الاستثمارات التي توجد بالولاية لا يكاد الناس يرون لها أثرا بيناً على خدماتهم المجتمعة المتعارف عليها ضمن الاستثمارات للشركات والمؤسسات، فلذلك رغم تعدد هذه المصادر للدخل الاقتصادي إلا أن المدينة قبل سنوات والآن لا يكاد يظهر عليها تقدم اقتصادي واضح، وهذا يبين الخلل الإداري الذي تعيشه المدينة منذ سنين.

ثانيها: ينقص المدينة تفعيل لدور الشباب في التنمية بها، وإشراكهم في عمليات التطوير فمن أبناء المدينة أعداد كبيرة نالت حظاً من التعليم والترقي في كثير من مجالات العلوم إلا أن دورهم فيها غير مفعل.

ثالثها: المدينة تفتقر لتسليط الضوء عليها في الوسائط الرقمية والإعلامية وعلى مواردها لجلب المستثمرين لها في شتى المجالات الزراعية والصناعية مع حسن إدارة لها.

رابعها: في مجال الصحة والتعليم يرى الناظر لها تراجعاً واضحاً فيهما، فعلى صعيد المستشفيات تدهور في الخدمات والرعاية فمن جهة لا ينقص المدينة موارد للتنمية ومن أخرى لا ينعم مواطنها بأي نوع من الخدمات الصحية التي ينبغي أن تتوفر له ويبن ذلك أن الاهتمام بهذا المجال ضعيف ومهمل، وكذلك مثل الصحة التعليم.

خامسها: ضعف التركيز على المشاريع الحيوية التي تضمن زيادة في الإنتاج مع توظيف للشباب كمشاريع الزراعية ومشاريع المنتجات المعدنية والثروة الحيوانية، ينبغي الاهتمام بها وتوفير فرصها وتحفيز العاملين بها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.