شعار قسم مدونات

آية ومنهج حياة.. إلى فتاة تائهة!

blogs حجاب

"وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ"

دعِينا نتوقَّفُ قليلًا؛ لِنَتدارك بعضَ هفَواتِ النّفس، ونُرتِّبَ بعْضَ تَفاصِيلِهَا، لا سِيَما ونحْنُ نعِيشُ بممرَّاتٍ مُتدَاخِلَةٍ، وأَفْكارٍ مُتزاحِمةٍ، وَمُوضَةٍ قذِرَةٍ؛ جَعْلت مِنْكِ مَحَطَّةَ فِتنٍ لم يَسْبِق لَهَا مَثِيلُ فِي صَفْحَاتِ التَّاريخِ القديمِ. مِمَّا جَعَلَكِ على حَافَّة جُرف الفَاحِشة، التي توشِكِيْنَ أنْ تَرْتَعِيْنَ فِيها. نَعَمْ، الْفَاحِشةُ الْمُتولِّدةُ شيْئًا فَشيْئًا مِنْ غَفْلَةِ القَلْبِ الباردِ.

فَعنْدَما تضَعين صُوَركِ على مَوَاقِعِ التَّواصُلِ الْاِجْتماعِيّ، حتَّى وإنْ كُنْتِ مُحجَّبَة؛ تَجْعلُك مَحَطَّةَ فِتنٍ تَقْودِينَ بها نَفْسِكِ وغيْرِكِ بلَا شَكّ نحو نتَائج وخيْمَةٍ لا تُرْضَي اللهَ _عز وجل_ ؛ لأنَّ هذا مُخالِف لِما جاءَ بهِ القُرْآنُ الكرِيمُ، وسُنّة مُحمَّد _صَلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّم_. فقَدْ شَرَعَ اللهُ سُبْحانَهُ وتعَالى لكِ مَنْهَجًا مِنْ نُورِ آياتِه، وأحادِيث نبيِّهِ؛ لِيُضِيء لكِ آفَاق الحَياة المُظْلِمة، كَيْ تَفُوزِين الفَوْزَ العظِيم في الدُّنْيا والآخِرَة. قَالَ سُبْحَانَهُ: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ). فجَاءَتْ هذهِ الآية مُبَيَّنَةٌ ومُوضِّحَةٌ أنَّهُ على الفَتَاة الاِلتِزَام في بيْتِها، وعَدَمِ نَشْرِ صُورِهَا، وهي الفقِيرَةُ إلى رحْمَةِ اللهِ وَرَضَوْنَه، لأنَّ ذَلِكَ أطهْر وأكْثَر حِفْظًا لها مِنْ شَوَائبِ هذا الوَاقِعِ المُتَّسِخ.

فلا يَجُوزُ لَكِ أُخْتَاهُ، بِأَيِّ حالةٍ مِنَ الأحْول نَشر صُورَتَكِ أو جُزْءٌ مِنْ جَسَدكِ. عَيْنَكِ، يَدكِ.. إِلْخ. حتَّى وإنْ كُنْتِ مُنَقَبَة، خُصُوصًا وأنْتِ تُمِيلينَ يَمْنَةً ويَسْرَةً بِصُورَتِكِ المُفَلتَرة في أيِّ وضْعِيَّةِ كَانَتْ مِنْ وَضعِيَاتُ التَّخَلُّف أو المَرَض المُعاصِرُ. الَّذِي سيجعلكِ عُرْضَةً لِتَنَاقُضَاتِ المُجْتَمَعِ بِعادَاتِهِ وأعْرَافِهِ، مِمّا سيُسَبِّبُ لكَيْ على المَدَى الْبَعيدُ مَشَاكّل نَفْسِيَّةٍ وَاِجْتِمَاعِيَّةٍ عَلَى صَعِيدِ الزَّواج والسُّمْعَة وَالْعِفَّة.

أُخْتَاهُ، اِتَّقِ اللهَ حيْثُما كُنْتِي، وسَارِعِي لتَطْبِيقِ آيَاتِهِ؛ فَفِيها الطُّهْرُ والحُبُّ والجُمَلُ وَالنُّجَاةُ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ. حتَّى تَنعمِي بِسُمُوِّ الرُّوح، وَرَزَانَةُ العَقْلِ، وَنَقَاءُ الجَسَدِ، وَنَزَاهَةُ النَّفْس وَكَمَالهَا وَعِزّها

فنَشْرُ صُورَتكِ على مَواقِعِ التَّوَصُّلِ الْاِجْتِمَاعِيّ تُشَكِّلُ صَفْعَة قُوِّيَّة لِذاتكِ الطَّاهرَة؛ لِأنَّها أَشُدّ بكَثِير مِنْ تَبَرُّجِكِ فِي الشَّارِعِ. أَجَلْ، فهُناكَ فَرْق كَبِير بَيْنَ مَنْ يراكِ في الشَّارِعِ رُؤْيَة عابِرَة، وَبَيْنَ أَنْ تَكونَ صُورَتكِ مُتَاحَةً لِلْجَمِيعِ، يُمْكِنُ الرُّجُوع إليْكِ في أيِّ وَقْتٍ وأَيَّ يَوْمٍ، كما يُمْكِنُ الْاِحْتِفَاظ والتَّحْقِيقُ وَالتَّأَمُّل بِهَا صَبَاحَ مَسَاءَ؛ مِمَّا قَدْ يُمِيتُ القَلْب فَتَطْغَى فَوْضَى الهَوى. فهذا باب مِنْ أَبْوَاب التَّعَاوُن على الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ بِنَصِّ الْكِتَابِ، مُتَمَثِّلًا فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ).

إِنَّ حَجْمَ المَسْؤُولِيَّة الَّتِي تَقَعُ عَلَى كاهِلِيكِ كَبِيرَة، ونَتَائِجَها تَعِيسَة، إِذَا مَا تَسَبَّبَتْ فِي إِثَارَة الكَثِير مِنَ الشَّبَاب، وَلرُبَّما تُسَاهِمُ فِي دَفْعِ بَعْضهُم لِاِرْتِكَابِ الذُّنُوبِ واِقْتِرَافِ الفَاحِشَة؛ بِسَبَبِ صُورَةٍ مِنْ صُورِكَ. نَعَمْ، صُورَة حتَّى وإنْ بَدَا مِنْهَا جُزْءٌ قَلِيلٌ مِنْ جَسَدِكِ. الْغَرِيبُ في الأَمْرِ عِندما تَعْتَقِدِينَ أَنَّ هَذَا مِن الْحُرِّيَّاتِ الشَّخْصِيَّةِ. آسِف يا عَزِيزَتِي، هذِهِ لَيْسَتْ حُرِّيَّة شَّخْصِيَّة كما تَعْتَقِدِينَ؛ فَهُنَاكَ أَشْخَاص يُمْكِنُنِي أنْ أُسَمِّيهُم مَرْضَى الاِنْبِعَاج الْغَرِيزِيّ، يَثُوروا مِنْ أَيِّ شَيْءٍ قَدْ يَبْدُو مَنْ جَسَدِ المَرْأَةِ؛ مِمَّا يدْفَعهُ لِاِرْتِكَابِ الْمَعَاصِي، سَوَاءً بِالنَّظَرِ المُحَرَّمِ أَو بِاِقْتِرَافِ الْفَوَاحِشِ وَالْعِيَاذِ بِاللهِ.

قِيلَ: "إِنَّهُ إذا كَانَت إمَاطة الأذى عَنْ الطَّرِيق شُعْبَة من شُعَبِ الإِيمَان فَأَيُهُما أشدّ شَوكة، حَجَر فِي الطَّرِيقِ، أمْ فِتنة تُفْسِد القُلوب، وَتَعْصّفُ بالْعُقول، وَتُشِيع الْفَاحِشَة؟!" وَقَالَ الله _عَزَّ وَجَل_:(لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ). صَحِيحٌ أَنَّكِ قَدْ لَا تَقصِّدين إِيقَاع أَحَدٍ فِي شَرَّاكِ الذُّنُوبِ الْفَوَاحِشِ، بَيْدَ أَنَّ المَسْأَلَةَ هُنَا لَيْسَتْ مَسْأَلَةَ نَوَايَا، بَلْ مَسْأَلَة أَفْعَالٍ ونَتَائِجُ، ولِنَتَائِجِ عَوَاقِبَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. قَالَ الشَّاعِرُ د. عَبْد الرَحْمَنِ العشماوي مُعَبِّراً عَنْ خَطَرِ فِتَنِ النِّسَاءِ:

إن عدت الفتن العظام فإنما …..فتن النساء أشدهـن وأخـطـر
أخشى على أوطاننا من فتنة….. فتـن البلاد أمامـها تستصغر
فبلادنا بين البـلاد تميـزت ……. بالدين يمنحها الثبات ويعـمر

اعْلَمي أُخْتَاهُ، أنَّكِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ فقط هُوَ زَوْجُكِ، الَّذِي يبْحثُ عنْكِ كَلُؤْلُؤَةً مَكْنُونَةً مُفْعَمَةً بِالحِشْمَةِ والبَراءةِ، ولَنْ تَحْصُلِي عَلَيْهِ إِلَّا إِذا اِرْتَدَيْتِ ثَوْبَ العِفَة والطَّهارة
اعْلَمي أُخْتَاهُ، أنَّكِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ فقط هُوَ زَوْجُكِ، الَّذِي يبْحثُ عنْكِ كَلُؤْلُؤَةً مَكْنُونَةً مُفْعَمَةً بِالحِشْمَةِ والبَراءةِ، ولَنْ تَحْصُلِي عَلَيْهِ إِلَّا إِذا اِرْتَدَيْتِ ثَوْبَ العِفَة والطَّهارة
 

مُؤْلمٌ حقَّاً، عِنْدمَا تَرَى أنَّ بَعْضَ الفَتَياتِ اللَّوَاتِي يَضَعْنَ صُوَرَهنَّ عَلَى مواقِعِ التَّوَاصُلِ الاِجْتِمَاعِيّ هُنَّ مِنْ القَارِئاتِ لكتَّابِ اللهِ، بَلْ وقَدْ تَكُون حَافِظَةٌ وَمُحَفِظَة لَهُ. ما فائدَةُ الحِفْظِ أُخْتَاهُ، دُونَ تَطْبِيقٍ؟! بَلْ مِنْ بَابِ أَولَى عَلَيْنَا أنْ نَعِيّ ونَفْهَم وَنُطَبِّق قَبْلَ أَنْ نَحْفَظَ، فدِفْئ عَظَمَةِ القُرْآنِ الكَرِيم، وَآثارِهِ الرَّصِينَةُ لَا يُمكِّن لها أنْ تَلْتَقِيَ في قَلْبِ مَنْ قَرَأَهُ أو حَفِظَهُ دُونَ تَطْبِيقٍ، وَإِنْ كَانَتْ فَلَن تَكون بِذَلِكَ المُسْتَوَى الرَّفِيع لِمَنْ طَبَّقَهُ وَعَمِلَ بِهِ. لِأَنَّ القُرْآنَ جَاءَ لِيُتَدَبَّرَ وَيَعْمَلُ بِهِ، عَلَى الرَغْمِ مِنْ حَصَافَةِ وعِظم أجْرِ قِرَأتِه.

أُخْتَاهُ، اِتَّقِ اللهَ حيْثُما كُنْتِي، وسَارِعِي لتَطْبِيقِ آيَاتِهِ؛ فَفِيها الطُّهْرُ والحُبُّ والجُمَلُ وَالنُّجَاةُ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ. حتَّى تَنعمِي بِسُمُوِّ الرُّوح، وَرَزَانَةُ العَقْلِ، وَنَقَاءُ الجَسَدِ، وَنَزَاهَةُ النَّفْس وَكَمَالهَا وَعِزّها. حتَّى تَصِلِي إلى حَالَة مِنْ حَالَاتِ اِنْشِرَاحِ الصَّدْرِ، وَقُوَّة البَصِيرَةِ، وفِراسَة الفِكْرِ، وَطِيبَةِ القَلْبِ وَنَعِيمه. هذهِ صَرْخَةُ حُبٍّ أَنْقُلُهَا لَكَ بكُلِّ أَمَانَةٍ وَصِدق، وأنْتِ الآنَ تَحْمِلِينَها؛ فإِذا عَرَفْتِ فَلْزَّمِي، واِمْضِ بِمَا يُرْضِي الله، ولا تَلْتَفِتِي لِلإِغْرَاءِ وَالإِطْرَاءِ، فَالظَّاهِرُ جَمِيلٌ وَالبَاطِنُ مُلْتَفّ بِالعَفَن _عفاك الله_ اِمْضِ ولا تَسْتَسْلِمِي أَمَامَ النَّظْرَاتِ القَاسِيَة، أو الكَلِمَات الجَارِحَة، الَّتِي قَدْ تُلَاحِقكِ مِنْ القَرِيبِ قَبْلَ البَعِيدِ، وَمِنْ المُحِبِّ قَبْلَ المُبْغِض. اِمْضِ وَحَلِّقِي في آفَاقِ العِفَّة والطَّهَارَةِ. فمَا دُمْتِ تُرْضيْنَ رَبَّكِ وتُطَبِيقَيْنَ آيَتُهِ، فَلَا تُبَالِيَ بِزَفَرَاتِ الحَيَاةِ الصَّاخِبَةِ. وعلَى الدُّنْيَا السَّلَامُ.

خِتامًا، اعْلَمي أُخْتَاهُ، أنَّكِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ فقط هُوَ زَوْجُكِ، الَّذِي يبْحثُ عنْكِ كَلُؤْلُؤَةً مَكْنُونَةً مُفْعَمَةً بِالحِشْمَةِ والبَراءةِ، ولَنْ تَحْصُلِي عَلَيْهِ إِلَّا إِذا اِرْتَدَيْتِ ثَوْبَ العِفَة والطَّهارة؛ فالرَّجُلُ وَأَنْ كَانَ غَيْرَ مُلْتَزِمٍ يُبْحَثُ عَلَى مَا هوَ غَالٍ وَثَمِين. فكُّونِي تِلْكَ اللؤلؤة، الَّتِي سَتَأْخُذُكِ إِلَى أَرْفَعَ مِنْ دُونِية الحَسَد، وَنَزَوَات التَّشَفِّي، حتَّى وإِنْ لَمْ تَلْتَقِي بِهِ؛ لِتُصْبِحِي أَكْثَرَ اِتِّزَانًا عَلَى قِيثَارَةِ الحُبِّ، وَطَمَأْنِينَة الرُّوحِ، وَسَكِينَة الجَسَدِ.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.